المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مرضى الايدز في سوريا : نحن بشر مثلكم وربما أقلكم اخطاءً


asnanaka
02-07-2008, 09:21 PM
مرضى الايدز في سوريا : نحن بشر مثلكم وربما أقلكم اخطاءً
تحقيقات

http://www.syria-news.com/pic/big%20size/aidz.jpgد. عيازرة : ليس من حق احد الحكم عليهم ووصمهم
د. نسلي: لا نستطيع ان نوصي باستخدام الواقي فيتهموننا بتشجيع الرذيلة
"نحن موصومون ومنبوذون وأسرى نظرة وأحكام مسبقة نعاني منها أكثر مما نعاني من المرض نفسه" بهذه العبارة يفتتح زيد حديثه,

وزيد واحد من أصل 280 مصاب بمتلازمة عوز المناعة المكتسبة ( الايدز) في سورية , وهو عدد يمثل المرضى السوريين من بين ( 500 ) مصاب بينهم 220 مصاب من غير السوريين الذين يجري ترحيلهم فوراً بعد التأكد من إصابتهم بالفيروس المسبب للايدز.
يقول زيد: اكتشفت إصابتي قبل سنتين ولم اعرف حتى الآن السبب في انتقال المرض إليّ.
وفعلاً تسجل إحصائيا وزارة الصحة وجود احد عشر مصاباً لم تعرف طرق انتقال الفيروس إليهم , لكن الأخصائيين والمراقبين لانتشار المرض يدركون أنّ السبب موجود دائما حتى لو لم يكشف عنه المريض, وهذا تحديدا هو الشرط الأساسي لمعرفة طريقة الإصابة لكن بعض المرضى مازالوا يرفضون الإفصاح خوفاً من العار والفضيحة التي قد تلاحقهم حتى آخر حياتهم , لابل قد تتجاوز المريض وحياته أحياناً لتصل إلى أهل المريض حيث يكون على هؤلاء أن ينالوا من (العار) نصيب !


طبيعي ولكن ..
يؤكد زيد (35سنة) : أحيانا أنسى بأنني مصاب بهذا الفيروس, فلا عوارض ولا شكايات صحية من الم أو خلافه تذكرني بذلك طالما أتناول دوائي بانتظام , لكن المحيطين بي يأبون إلا أن يذكرونني بمصيبتي عبر نظراتهم الاتهامية حيناً والمتشفية حيناً آخر !
ويقبع زيد في منزله لأشهر دون أن يغادره هرباً من هذه النظرة كما يقول " فحتى الدواء الذي يقدمه مركز الايدز لي تذهب زوجتي لإحضاره بدلا عني " ويتساءل الرجل المتزوج والأب لطفلين( ثبت خلوهم جميعاً من المرض ) :" لماذا يصر الناس على التعامل معنا بهذه القسوة؟ لم نفعل شيئاً لهم ألا يكفينا ما ابتلينا به" معتبراً انه طالما بقي في بيته فهو يشعر بأنه طبيعي ويعيش بالتالي حياة طبيعية لا يستطيع الآخرون حتى الآن قبولها أو حتى فهمها !
ويضيف : مرضى الايدز كغيرهم من المصابين بأمراض منقولة عبر الدم, نحن تماما كمرضى التهاب الكبد الوبائي , فلماذا هذه القسوة بحقنا ولماذا يصر الناس على أن يكونوا أسرى لفكرة مسبقة واحدة ؟


الايدز وباء عالمي يزحف نحونا..
خلال عقدين فقط ومنذ أواسط الثمانينات حتى الآن وصل عدد المصابين بالايدز عبر العالم إلى 60 مليون مصاب توفي منهم حتى الآن 30 مليون.
ويعتبر المرض بحسب منظمة الصحة العلمية التحدي الأكبر الذي تواجهه البشرية في هذا القرن نظراً لسرعة انتشاره وسرعة فتكه, وعدم اكتشاف العلاج الشافي منه تماما.
والايدز هو مرض يسببه فيروس ( HIV ) الذي يدمر الجهاز المناعي في جسم الإنسان فيصبح عرضة للانتانات القاتلة والأورام السرطانية .
ويقول الدكتور هيثم سويدان مدير البرنامج الوطني لمكافحة الايدز : إن الفيروس يهاجم خلايا الدم البيضاء والمسماة الخلايا التائية وهي تشكل العنصر الأساسي للجهاز المناعي في الجسم ووظيفته في الدفاع عن الجسم ضد الأمراض والأورام , ويستخدمها لتوليد المزيد من جسيمات الفيروس التي تنطلق بدورها لمهاجمة خلايا أخرى, وبمرور الوقت تتناقص خلايا الدم البيضاء مما يضعف قدرة الجسم على مقاومة الأمراض حتى يصل المريض إلى مرحلة حرجة تنتهي بالوفاة, وعن مراحل المرض يقول سويدان أن الشخص المصاب قد يكون حاملا للفيروس دون أن تظهر أعراض المرض عليه ما بين أربع إلى سبع سنوات ولكن في هذه الفترة المريض قادر على نقل العدوى للآخرين .
وتتربع قارة أفريقيا على رأس المناطق الأكثر إصابة بالايدز بـ 22.5 مليون مصاب , تليها دول جنوب شرق آسيا بنحو 4 ملايين مصاب فأمريكا اللاتينية بـ 1.6 مليون مصاب وشرق أوروبا بما فيها دول الاتحاد السوفييتي السابق بـ 1.6 مليون إصابة وأمريكا الشمالية 1.3 مليون مصاب ثم دول شرق آسيا 800 ألف إصابة وأوروبا 760 ألف إصابة ثم دول الشرق الأوسط بـ 380 ألف إصابة ......
ووفقاً لحجم الإصابات على مستوى العالم تقع منطقتنا في آخر القائمة بين مناطق العالم, لكن سرعة الانتشار لاتترك مكانا آمنا من الإصابة بل إن الأرقام المعلنة قد تكون جزءا بسيطا من العدد الحقيقي للمصابين,يقول عمر أبو النعاج من البرنامج الوطني لمكافحة الايدز : أن الرقم الحقيقي للمصابين في سوريا قد يكون خمسة إلى ستة أضعاف الرقم المعلن لدينا حيث يوجد الكثير من العوامل التي تجعلنا نظن أن العدد التقريبي هو أكثر بكثير من الرقم الحالي وذلك باعتماد الحسابات العالمية , ولعوامل أخرى أهمها أن العدد الأكبر من المصابين مازالوا في عداد الحاملين للفيروس دون أن تظهر عليهم علامات المرض,وكذلك جهل القسم الآخر منهم بأي معلومات أو ثقافة عامة عن المرض وطرق انتقاله والوقاية منه.


دمشق وريفها على رأس القائمة...
تفيد إحصائيات البرنامج الوطني لمكافحة الايدز ووزارة الصحة أن توزع المصابين على الخارطة السورية يضع دمشق على رأس القائمة, وهذا مفهوم, فدمشق وريفها يضمان أكثر من ربع العدد الإجمالي للسوريين كما أنها تحتضن الغالبية العظمى من العرب والأجانب الذين تضاف إعدادهم إلى العدد الكلي للمصابين.
وتشير الأرقام إلى أن 289 مصاباً ( سوريين وأجانب) تم كشفهم في دمشق وريفها والقنيطرة أي أكثر من نصف الحالات المكتشفة بين عامي 1987 و2007 .
وتأتي حلب في المرتبة الثانية بـ 75 مصاباً ثم حمص بـ 38 مصاباً فاللاذقية بـ22 مصاباً أما بالنسبة للسنوات الأكثر اكتشافا للإصابات خلالها فقد شهد العام 2006 النسبة الأكبر من المصابين (70 مصاباً , 34 منهم سوريين والباقي غير سوريين ) يليه عام 2007 ( بـ 53 حالة منها 20 إصابة لسوريين والباقي 33 غير سوريين ) وفي العام 2005 تم اكتشاف 47 حالة 22 منها لسوريين فيما 25 لغير السوريين.

الاتصال الجنسي.. طبيعي وشاذ
بالنسبة لتوزع المرض وفقاً لأسباب الإصابة وطرق الانتقال تبين الإحصائيات إن العلاقات الجنسية خارج الزواج تستحوذ على النسبة الأكبر من الإصابات حيث يصل عدد المصابين بهذه الطريقة إلى 143 مصاباً من أصل 280 , يليه الانتقال من الزوج إلى الزوجة (51 إصابة ) ثم اللواطة بـ 30 إصابة .
وتختلف هذه النسبة بين الذكور والإناث بشكل واضح فالعلاقات الجنسية خارج الزواج كانت كلها ما عدا واحدة من نصيب الرجال في حين كان الانتقال بين الزوجين كلها من الزوج إلى زوجته علماً أن الرجل قادر على نقل العدوى إلى المرأة بـ 17 ضعف أكثر مما تنقله المرأة إلى الرجل .
يضاف إلى قائمة الأسباب نقل الدم ومشتقاته حيث يبلغ عدد من أصيبوا بهذه الطريقة 19 مصاباً يضاف اليهم ثلاثة آخرين تم نقل الدم اليهم خارج القطر, لتأتي بعد ذلك الإصابة من الأم إلى الجنين ( 12 إصابة ) ثم المخدرات والحقن الوريدية 9 إصابات و11 حالة غير معروفة الأسباب.
ويعلق الدكتور ممدوح نسلي رئيس المركز التخصصي للأمراض المعدية أن النسبة الأخيرة من ذوي السبب المجهول يمكن ضمها إلى المصابين بسبب الاتصال الجنسي بنوعيه الطبيعي والشاذ لتصبح النسبة حوالي 70% من العدد الإجمالي للمصابين , فيما يلفت إلى النسبة الأخرى المتعلقة بنقل الدم ومشتقاته بان هذا السبب قد اختفى في سورية منذ سنوات وخاصة بعد اتخاذ الاحتياطات في بنوط الدم فيما يخص عينات الدم المقطوفة والتي يجري فحصها بدقة ويتم التأكد من خلوها من فيروسات الأمراض المنقولة عبر الدم .
لكن سيريانيوز حصلت على بعض الوثائق التي توثق لحالات أصيب أصحابها عبر نقل الدم في السنوات الأخيرة وتحديداً بمرض التهاب الكبد الوبائي الذي ينتقل بنفس طريقة فيروس الايدز مما يشير إلى إمكانية حدوث نفس الإصابات بمرض الايدز.


الخادمات والفنانات ..
في جانب آخر طالته الإحصائيات تؤكد أرقام البرنامج الوطني لمكافحة الايدز أن النسبة الأكبر من المصابين بمرض الايدز من غير السوريين هن غالباً من الخادمات تليهن الفنانات ممن تعملن في الملاهي الليلية.
وسجل عام 2006 لوحده اكتشاف نحو 30 حالة بين الخادمات القادمات إلى سورية...
ويعتقد عمر أبو النعاج أن هذه النسبة تخص فقط الخادمات اللواتي قمن باختبار الايدز وهن جزء بسيط ممن قمن بهذا الفحص من بين آلاف الخادمات اللواتي يدخلن إلى البلاد بطرق غير شرعية غير مكاتب استقدام غير مرخصة حيث تبقى الواحدة منهن لأكثر من سنة أحيانا قبل أن تجري فحص الايدز وهي مدة قد يحصل فيها مالا تحمد عقباه لناحية نقل المرض لأشخاص جدد لايخفى على أحد منا كيفية حصوله!
أما الفنانات فتبدو خطورتهن أقل نظراً للفحوص الدورية التي عليهن إجرائها كل أربعة أشهر كشرط لقبولهن من قبل نقابة الفنانين كعاملات في الملاهي الليلية.
وبالعودة إلى توزع نسب الإصابة غير السوريين في العام 2007 والذي سجل إصابة 33 شخص كانت إثيوبيا على رأس القائمة بـ 12 مصاب (خادمات) والفيليبين واندونيسيا بثلاث إصابات لكل بينهما ( خادمات أيضا ) فيما سجل المصابون من العراق نسبة مساوية بـ 3 إصابات ويلفت السيد أبو النعاج إلى أن النظرة إلى العراقيين كسبب في تزايد نسبة الايدز في سورية هي خاطئة تماماً ذلك أن العدد المكتشف منهم لايزيد عن الثلاثة رغم وجود هذا العدد الكبير منهم في البلاد.
وتأتي المغرب بعد ذلك ترتيباً أيضا بثلاث إصابات ( فنانات ) ثم روسيا وأوكرانيا ( اثنتان لكل منهما من الفنانات ) وساحل العاج (2) والسعودية (1) وغانا (1) والعين (1).


تعدّدت الأسباب والشباب أولا..
رغم تنوع الطرق التي تنتقل عبرها مرض الايدز بين الاتصال الجنسي الطبيعي والشاذ مروراً بالمخدرات ونقل الدم وصولاً بنقل المرض من الزوج إلى الزوجة.. يبدو من خلال الإحصائيات أن النسبة العظمى من المصابين هي من فئة الشباب بين 18-40 وتتراوح نسبة المصابين في هذه الشريحة نسبة للعدد الإجمالي من المصابين ما بين 80و90% وهنا تكمن خطورة المرض من حيث انه يأتي على شريحة أساسية في المجتمع ويعطل مساهماتها الاقتصادية لابل تصبح عبئاً على الدولة.
ويقول مسؤول البرنامج الوطني لمكافحة الايدز د. هيثم سويدان إن وزارة الصحة تتكفل بنفقات العلاج لجميع مرضى الايدز في سورية بما فيها ثمن الأدوية حيث تقدم الوزارة بمركزها العلاج والدواء لـ 75 مريضاً كلفة المريض الواحد بين 400-500 دولار شهرياً.
من جهته يضيف د.ممدوح نسلي مدير المركز التخصصي للأمراض المعدية بان الوزارة لن تكتفي بذلك حيث تقدم اختبارات باهظة الثمن للمرضى وتتابع كل جديد على صعيد العلاجات المكتشفة في الخارج لإدراجها وإضافتها إلى جهودها في تقديم كل العلاجات المتوفرة للمرض, وهذه الأدوية تساهم في إطالة عمر المريض الذي قد يعيش ما بين 10 و15 سنة بعد إصابته بالمرض في حين يمكن أن يعيش في البلدان المتقدمة 25 سنة تبعاً لمستوى الرعاية المقدم.
وتقول مصادر الوزارة أن العدد الذي يشمله العلاج حالياً وهو 75 مريضاً ( وهو يشكل أكثر من ربع المصابين بقليل )وتبرر هذه المصادر ضعف نسبة المتلقين العلاج بان خطة العلاج لا تطبق فوراً على من تثبت إصابته بالفيروس لأن الأمر عائد لعدد اللمفاويات حيث تقوم المراكز بإجراء تحليل ( الحمل الفيروسي )أي مراقبة عدد الفيروسات في جسم المصاب فإذا كانت اقل من 400 فيروس بالملم لا يكشفها التحليل ليعود المريض دوريا إلى المركز لمراقبة عدد الفيروسات وعندما تصل إلى نسبة معينة يبدأ إعطاء العلاج وذلك تبعاً للتوصيات والإجراءات المتبعة في مراكز العلاج العالمية.
أما الدواء فترتبط قدرته على إطالة عمر المريض بقدرة المريض على الالتزام به بحيث يجب على المريض تناول دواءه يومياً بدون توقف وهو ما يجده المرضى أسهل بكثير من العلاج النفسي الذي يحتاجونه تلافيا للشدّات النفسية والضغوط التي تمارس عليهم من المجتمع المحيط بهم وأحياناً من اقرب المقربين لهم .


الوصمة.. ايدز آخر !
تركز معظم الدول وخاصة المتقدمة منها على موضوع القبول الاجتماعي لمريض الايدز باعتباره مريضاً كأي مريض آخر بغض النظر عن السبب الذي أدى به إلى هذا المصير وبالتزامن مع العلاج المادي ( الدوائي ) تعطى الدراسات الحديثة في العالم لموضوع دمج المريض في المجتمع وتقبل المجتمع له حيّزا كبيراً من الاهتمام لا يقل عن الجانب المتعلق بالعلاج..
وتؤكد دراسات لمنظمة الصحة العالمية على أن موضوع الدعم الاجتماعي يساهم إلى حد بعيد في رفع عدد السنين المتوقعة لحياة المريض..
ورغم جهود وزارة الصحة السورية بمختلف مراكزها للتركيز على هذا الجانب مازالت ( الوصمة ) تدفع مرضى الايدز وتقلب حياتهم جحيماً ذلك أن مجتمعاتنا ترفض حتى الآن التعامل مع مرضى الايدز باعتبارهم مرضى وحسب بل تقوم بتقييمهم كفاسدين ومنحلين خلقياً وشاذين حتى بدون النظر أحيانا إلى سبب الإصابة..
ويمكن أن نلاحظ ذلك بوضوح من خلال أحاديث العامة والكثير من المتعلمين منهم حيث يستغربون أن يكون مريض الايدز حرّاً بمعنى غير معزول, مطالبين بحجره , ويقول أحد سائقي التكسي : هل يجب أن يكون مريض الايدز فلتان ؟
إلا يجب على الدولة أن تحجر عليهم وتعزلهم في مصحات مغلقة كي لا ينشروا بلاءهم على باقي الخلق ؟!
وتبدو آثار هذه النظرة واضحة على المرضى أنفسهم, حيث يدفعون ثمناً لها أن يكتمون سرّهم في حالات كثيرة.. فلا تعرف به الاّ دائرة ضيقة قد لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة خوفاً من الفضيحة والعار المتربّص بهم..
أما بعضهم فيعاني حتى من هذه الدائرة الضيقة..


حتى أنت يا بروتوس...
تقول د. عيازرة رئيسة مركز المشورة والاختبار الطوعي أن أكثر ما يواجهنا كمركز وكل العاملين في هذا المجال هو تغيير هذه النظرة الواصمة, ورغم كل المحاولات مازلنا في أول الطريق.
وتضيف : المفاجأة الكبرى تكون عندما تسمع هذا التقييم الجاهل والخالي من الإنسانية لمرضى الايدز من قبل أشخاص يفترض أنهم مثقفون أو حتى قادة رأي عام كالإعلاميين والفنانيين وتضرب مثالاً على ذلك الأعمال الدرامية التي تناولت هذا الموضوع والتي عرض بعضها ( حاجز الصمت لهاني السعدي) مريض الايدز بشكل مغلوط تماماً ومخالف للحقيقة وكأنه مجزوم حتى في مظهره.. ومحجور عليه في مكان مغلق!!( وهو ما احتجت عليه منظمة الصحة العالمية بالمناسبة نظراً لمخالفته للصورة الحقيقية للمريض).
ولعله من اللافت والمثير للانتباه أن تكون الجهات الرسمية والحكومية والمراكز والمراكز الصحية مازالت سباقة في نظرتها وجهودها وبأشواط للمجتمع واختلاف شرائحه..
ولا يختلف أبناء المدن عن أبناء القرى في هذه النظرة فاحد المرضى الذي اكتشف إصابته بالايدز أثناء أقامته في الإمارات رحّل إلى سورية ولم يحتمل البقاء قي قريته بعد محاصرته في القرية وتعرضه لشتى أنواع الضغوط والوصمات لدرجة انه يحاول الآن الانتقال إلى دمشق بشكل نهائي عبر نقل نفوسه وقيوده.. محاولا فيما يبدو بدء حياة جديدة لم يستطع حتى اقرب المقربين منه السماح له بتأسيسها.


فلسفة جديدة ....
ويحاول مركز المشورة والاختبارات الطوعية تقديم المساعدة لهذا المريض وغيره من المرضى الذين يتعرضون لشتى أنواع القهر والظلم الاجتماعي والنفسي عبر كادر مدرّب ومؤهل للتعامل مع هذه الحالات..
وتقوم فلسفة المركز المستقاة من احدث المراكز العالمية بحسب مديرته د.رنا عيازرة على أنّ التعامل مع المراجع ( أي شخص يريد الاطمئنان على نفسه سواء ثبتت إصابته أو خلوه) بعيداً عن الأحكام المسبقة فمهمتنا هنا والحديث لـ عيازرة هو التواصل مع الزائر والبدء بحوار قد يستمر لنصف ساعة بين المختص والمراجع يهدف في النهاية إلى إقناع هذا الشخص بالابتعاد عن كل السلوكيات المؤدية للإصابة بالايدز وتؤكد الدكتورة عيازرة على نجاعة هذا الأسلوب خاصة مع توفر شرط السرية التامة , حتى أن المريض أو المراجع غير مضطر للإيضاح عن اسمه وهو ما يؤسس لحالة ثقة مع المركز , وظهرت نتائج ذلك في ازدياد عدد المراجعين إلى المركز حيث يستقبل شهرياً ما يزيد عن 100 شخص ممن لديهم علاقات جنسية ولديهم شكوك حول سلامتهم أو فمن يريدون الاطمئنان على أنفسهم وخلوهم من هذا الفيروس..
رئيسة المركز تؤكد بأنه ليس من حق أحد أن يحكم على أي أحد آخر اياً كان السبب وهذا جزء من فلسفة المركز أيضا وهو ما يوافقها عليه ممدوح نسلي الذي يعتبر أن أغلب المصابين عبر العلاقات الجنسية هم من أصحاب التجارب القليلة في هذا المجال فبعض المرضى أقام علاقة لمرة واحدة وكانت نتيجتها إصابته!!


توعية منقوصة..
تركز كل النشاطات والجهود التي يقودها البرنامج الوطني لمكافحة الايدز على عامل الوقاية كونه احد أهم عوامل الحد من انتشار المرض لكن القائمين عليه لا يستطيعون المجاهرة والإعلان لوسائل الإعلام عن أسلوب الوقاية الأكثر نجاعة وهو الواقي الذكري الذي يمكن أن يقلل عند استخدامه من نسبة الخطورة إلى حد كبير وذلك وفقاً لكل الدراسات العالمية التي توصي باستخدامه.
ويقول د. ممدوح نسلي: لا نستطيع أثناء النشاطات والمحاضرات أو حين الحديث التلفزيوني أن توصي على الملأ باستخدام الواقي الذكري "لأن هناك من يتهمنا بالتشجيع على الرذيلة ونشر الفسق ".
ورغم الأهداف الواضحة لمركز المشورة والتي يبدو كمركز عصري بأساليب علمية حديثة لا يستطيع القائمون عليه أيضا بحسب د. رنا عيازرة ًتجاوز هذا الحاجز " لا نستطيع أن نقول للمرضى أو المراجعين بأن يستخدموا الواقي.., نحن نعرف أنّ المراكز المشابهة في العالم تقوم بوضع نماذج من هذا المنتج بحيث يتمكن المراجعون رؤيتها والحصول عليها , غير أننا نقدمها لمن يطلبها فقط دون أن نعرضها بحيث يشاهدها المراجع!!

نعمة أم نقمة !!
لعل طريقة التعامل مع مريض الايدز تشكّل منطلقاً لسلوكياته في المستقبل ويمكن التأكيد على أنّ التعامل بشكل إنساني وعلمي مع هذا الموضوع لا ينعكس فقط على المريض وصحته الجسمية والنفسية بل على المجتمع المحيط به ,وهو ما يوضحه أحد المرضى , يقول زيد : عندما أرى أن الناس يتعاطفون معي ويمسكون بيدي فأنا لن أفكر أن أبداً في أن أؤذيهم وأن أنقل المرض لهم.. ربما هناك من قد يقوم بذلك إن لم يكن الآن فمستقبلاً إذا تمت محاصرته ودفعه.. فقد يقوم بالانتقام من المجتمع..
ويؤكد على ذلك مريض آخر لا يتجاوز عمره السابعة عشر ( أ.ر ) عندما يعلن صراحة برغبته في الزواج من مريضة ايدز " فانا شاب ولدي طاقة وحاجة كغيري من البشر ويجب أن ألبيها بطريقة شرعية". .. ..
هذا المراهق أصيب بهذا المرض قبل سنوات ويمكن أن يعيش لعشر أو عشرين سنة إضافية وربما أكثر في حال اكتشاف علاج جديد وأكثر نجاعة.. وبالتالي أليس من حقه عيش حياة جنسية طبيعية وشرعية مع مريضة أخرى؟ أم أن لدينا دائماً ما يمنع هؤلاء من عيش حياة طبيعية ونسيان بلواهم أن هم أرادوا؟!
" زيد" المريض الطبيعي ربما أخطأنا.. ولكن ها نحن ندفع ثمن هذا الخطأ " الم يقل السيد المسيح :" من منكم بلا خطية فليرجمها بحجر ؟!!


علي حسون - سيريانيوز