من أجل غذاء خالي من «الغلوتين» .. خبز بلا حنطة وحلويات من دون كعك
«لا شكرا». هذا ردي التقليدي لكثير من الطيبات التي تقدم لي عند زيارة الاصدقاء أو الذهاب الى المطاعم، من الخبز في اول الوجبة الى الكعكات في ختامها.
وعادة ما يكون الرد: «لا تقولي انك تحرمين نفسك من النشويات لتقللي من وزنك، خلي الحمية لغيرك»، ويعتقد كثيرون انني اتبع حمية «اتكينز» الشهيرة والمعتمدة على قطع النشويات من الغذاء.
الا ان امتناعي عن لائحة لا تعد ولا تحصى من الاكلات، بما فيها المعكرونة والفطائر والبسكويت والبقلاوة، بعيداًً كل البعد عن الحمية، ولكن القليل من الناس يصدقون ذلك.
ورداً على الالحاح اضطر لشرح حساسيتي من الحنطة، او لنكون اكثر دقة، من مادة «الغلوتين» الموجودة في مشتقات الحنطة والشعير.
وعادة ما يضطرني ذلك للرد على اسئلة مطولة مثل اسباب المرض والاعراض التي أعاني منها في حال تناولت طعام يحتوي على «الغلوتين».
وعلى الرغم من الملل من التكرار، الا ان الحديث عن «الغولتين» والتوعية حول الاغذية التي تحتويه اصبح ضرورة لاستمتاعي بالطعام وبحياة صحية أفضل منذ اكتشافي رفض جسدي لهذه المادة الصغيرة ذات التأثيرات الكبيرة.
بداية، يجب تعريف مادة «الغلوتين»، وذلك الاسم باللغة الانجليزية والمتعارف عليه طبياً لمادة الدابوق، وهي مادة بروتينية دبقة في الحنطة والشعير.
ويعاني المصابون بمرض «سيلياك» (واسمه الطبي بالعربية تجويفي ـ بطني) من رفض الجسد لمادة «الغلوتين»، مما يؤدي الى تآكل الامعاء ومعاناة المصاب من اعراض مختلفة تتراوح شدتها من عدم الارتياح الطفيف الى الخطيرة الى درجة تجعل المصاب اسير سريره.
وتعرفت على كل هذه التفاصيل بعد اشهر من المرض واعراض تشمل الصداع والشعور بالتعب المتواصل، بالاضافة الى نقص الوزن، من دون معرفة الاسباب على الرغم من التحاليل المتتالية.
وفجأة خطر لطبيبتي ان المرض قد يكون «سيلياك» واثبتت التحاليل ذلك. وبعد 3 ايام من الالتزام بنظام غذائي خال عن «الغلوتين»، بدأت استرجع عافيتي، لأكتشف عالما جديدا من الغذاء الخالي من الحنطة والشعير، والتخلي عن اطيب الاكلات.
وعند التفكير بعدم تناول أي طعام فيه الحنطة والشعير تبدو المسألة بسيطة، ولكن لمن يعشق الطعام مثلي اشبه بمأساة، فانواع المطابخ حول العالم، من «الكبة المصلاوية» العراقية و«التبولة» اللبنانية الى «البيتزا» الايطالية و«البيرغر» الاميركي، كلها تعتمد على مشتقات تلك الحبوب.
الا ان بعد سنتين ونصف السنة من التعايش مع هذا المرض، بدأت اكتشف حقيقة مقولة «رب ضارة نافعة».
فقد تخلصت من اعراض عدة متعلقة بـ«الغلوتين» مثل الانتفاخ والشعور بالتعب، كما اكتشفت عالماً جديداً من الطعام وتغيير اطباق تقليدية لتناسب حاجاتي.
وسرعان ما وجدت شركات ومخابز عدة طورت اكلات خالية من «الغلوتين»، وعلى رأسها الخبز والمعكرونة المصنوعتين من دقيق الذرة والبطاطا.
ولكن عدا المتاعب التي تسببها مادة «الغلوتين» للمصابين بمرض «سيلياك»، تشتهر المادة بأنها العامل الاساسي الذي يعطي الطعام مرونته، خاصة في الخبز والكعك.
وذلك يجعل غالبية الخبز الخالي عن «الغلوتين» قوياً وصعب الاستمتاع به.
وبعد محاولات فاشلة عدة، اكتشفت المخابز المختصة بالغذاء الخالي من «الغلوتين» ان الحل الامثل للتعويض عن مرونة «الغولتين» هو استخدام «علكة الزنتين» Xantham Gum وبالاضافة الى الاعتماد على شراء الوجبات الخاصة من المتاجر المختصة بالطعام الصحي، اصبحت شركات الغذاء التي تبيع الغذاء الخالي من «الغلوتين» تبيع موادها في محلات السوبرماركت العادية وعن طريق الانترنت.
الا ان الكثير من الذين يتبعون نظاما عذائيا خاليا من «الغلوتين» يعتمدون على صناعة طعامهم الخاص في المنزل أو الذهاب الى مخبز خاص ليخبز الخبز الخاص بهم.
ويمكن شراء الدقيق الخالي من «الغلوتين» والطلب من أي مخبز متعاطف مع متاعب المصابين بـ«سيلياك» استخدامه لصناعة خبز خالي من «الغلوتين».
ولكن يجب التأكيد على الخباز ان ينظف سطح مكان عمله من أي آثار للدقيق العادي تفادياً لأية اخطاء في صناعة الخبز.
ومن ابرز الوصفات للخبز الخالي من «الغلوتين» تتضمن دقيق البطاطا ودقيق الرز ودقيق التبيوكة وخل عصير التفاح والبيض مع القليل من السكر والخميرة، بالاضافة الى «علكة الزنتين» اذا كانت موجودة.
وبعد التجربة، تعلمت ان افضل الحلول هي الابتعاد عن محاولة صنع اكلات تحتوي على مواد بديلة لـ«الغلوتين»، لأن غالباً ما تنتهي بالاحباط وعدم الحصول على نفس طعم الطعام الاصلي.
فعلى سبيل المثال، من ابرز المكونات التي يجب قطعها عن غذاء المصاب بـ«سيلياك» والموجودة بشكل واسع في المطبخ العربي هي البرغل والكسكس التي من الصعب استبدالها بمادة اخرى.
ولكن توجد بعض الخيارات التي يمكن تجربتها، فبالنسبة الى البرغل، اذا كان بارداً، مثل استخدامه بالتبولة، الافضل استبداله بحبة الدخن. كما يمكن تحوير سلطتي التبولة والفتوش من خلال خلط نفس المواد ولكن دون البرغل أو الخبز.
واذا كان البرغل مطبوخاً يجب استبداله بالارز، فأكلات مثل «المقلوبة» و«الكبة» يمكن استخدام الرز فيها.
والسر في تقبل هذه الاكلات الاقتناع بأنها ليست نفس تلك التي احبها وتعودت عليها، بل أكلة جديدة اكتشفتها واعتاد مذاقي عليها.
وبالاضافة الى المطبخ العربي، هناك صعوبات في تناول غالبية مشتقات المطبخ الايطالي الذي يعتمد على المعكرونة المحرمة على المصاب بـ«سيلياك»، ولكن من الممكن استبدالها بالمعكرونة المصنوعة من انواع دقيق اخرى وشراؤها من المتاجر الخاصة.
ومن المضروري سلقها مع ملعقة صغيرة من الزيت للتأكد من طراوتها. كما ان المطبخ الايطالي فيه طبق «الريزوتو» المصنوع من الارز والذي يمكن تناوله اذا تأكدت من ان صلصته خالية من دقيق الحنطة.
وبالنسبة الى الوجبات السريعة، تصبح «السندويتشات» بعيدة المنال خارج المنزل اذ لا توجد مقاه او مطاعم تبيعها مع الخبز الخالي من «الغلوتين».
فمن الافضل استبدالها بأكلات مثل «السوشي» و«الساشيمي» الياباني المصنوعة من الارز والسمك، والسلطات والحساء.
كما يمكن تناول «النودلز» الصينية المصنوعة من الارز. وكل هذه الاكلات لم تكن مفضلة لدي لكنني عودت نفسي على مذاقها وهذا ما جعلها قريبة من قلبي ومعدتي.
اما بالنسبة للحلويات، فأكثرها يحتوي على مادة الـ«غلوتين»، من الكعكات والبسكويت الى الكنافة والبقلاوة.
ولكن افضل الحلويات هي الشوكولاتة لأنها خالية من «الغلوتين»، الا اذا كانت فيها قطع بسكويت. كما يمكن تناول البوظة و«الجيلي» (الهلام) والتمور والفواكه والكعكات المصنوعة من «الموس».
وبينما من الممكن حصر ما أتناوله في المنزل بكل ما هو خال من «الغلوتين»، تصبح العملية اصعب بكثير عند تناول الطعام في المطاعم وعند الاصدقاء.
وقد تعلمت الاعتماد على السلطة في الوجبة الاولى ومحاولة الابتعاد عن الحساء لأن كثيراً ما يستخدم الدقيق بها لجعلها اكثر كثافة.
كما يمكن تناول السمك وكافة انواع اللحوم مع الارز والبطاطا والخضروات، التي تكون بطبيعتها خالية من «الغلوتين».
وعند تناول «البيرغر»، يمكن الطلب من النادل وضع الخبز جنباً او عدم جلبه مع الخبز وتناول «البيرغر» من دون خبز مع البطاطا المقلية والسلطة. وأصبح عدد قليل من المطاعم في المدن الكبرى يقدم اكلات خالية من «الغلوتين»، وعلى رأسها لندن.
في لندن، يقدم كل من مطعم «ذا والزلي» ومطعم «حمص بار» الخبر الخالي من الغلوتين مما جعله من المطاعم المفضلة لدى المصابين بمرض «سيلياك».
ولكن لم تصل اية مدينة الى مستوى نيويورك التي لديها مطاعم كاملة تختص بالطعام الخالي من «الغلوتين».
فهناك مطعم «ريسوتريا» الايطالي في منطقة «غرينيتش فيليج» في مانهاتان الذي نال شهرة عالمية لقدرته على تقديم اشهى الاكلات الخالية من «الغلوتين».
لا شك ان الحياة من دون «الغلوتين» معقدة بعض الشيء، لكنها ممكنة اذا كان المريض منفتحاً على تجربة الاكلات الجديدة.
وبينما اصبحت اطلب معرفة مكونات كل ما اكله بعد اخطاء صغيرة ادت الى تفاعلات كبيرة، الا ان بعد التعود اصبح الطعام مجدداً مصدراً للمتعة بدلا من القلق.
نصائح من تجربة خاصة
ـ لأكل الحمص والمتبل، استبدل الخبز بالجزر أو الخيار.
ـ عند تحضير التبولة، اخلط جميع مكونات التبولة ما عدا البرغل، واضع جزءا من التبولة الخالية من البرغل جنباً لك، واخلط البرغل بالتبولة لغيرك.
ـ اعتمد على الفشار والمكسرات للابتعاد عن الاكلات الخفيفة المصنوعة من الحنطة والشعير. ـ تناول البطاطا المشوية بدلا من الخبز مع الفطار صباحاً.
ـ استخدم الخبز المصنوع من دقيق الارز والذرة.
ـ استفسر عن مكونات أي حساء تتناوله، فالكثير من الطهاة يستخدمون الدقيق في الحساء.
خطوات تساعدك على التعايش مع «سيلياك»
ـ لا تخجل من الاستفسار عن مكونات أي طبق، اذا كان عند بيت صديق أو في مطعم. الحذر افضل من الندم!
ـ قبل السفر، ابلغ شركة الطيران بحاجتك الى طعام خال من مادة «الغلوتين»، غالبية شركات الطيران لديها وجبات لمن لديهم حاجات غذايئة خاصة.
ـ تعرف على المواقع الالكترونية التي تزودك بآخر المنتجات الخالية من «الغلوتين» ومنها:
https://www.coeliac.co.uk https://www.myـglutenـfreeـrecipes.com https://www.foodreactions.org/gluten/
معلومات سريعة عن مرض سيلياك
ـ مرض «سيلياك» متعلق بنقص في المناعة وليس حساسية عادية من مادة معينة.
ـ المصابون بالمرض يعانون من تآكل الامعاء مما يؤدي الى اوجاع معدة والصداع بالاضافة الى حالات شديدة من الاسهال.
ـ نظام غذائي خال من مادة «الغلوتين» هو العلاج الافضل لمرض «سيلياك» وترميم جدار الامعاء.
ـ اعراض المرض تتراوح بدرجات بين مريض وآخر، ولكن يمكن تحسن المريض مع الالتزام بنظام خال من «الغلوتين».
ـ عادة ما يعاني المريض من اعراض اخرى مثل نقص في «فيتامين ب» وفقر الدم، تعالج مع الالتزام بالنظام الغذائي الخاص.