التمارين الرياضية تقدم فوائد صحية جمة، ويتمثل أهم جوانبها في أنها تقلل من خطر النوبة القلبية، والسكتة الدماغية، والوفاة المبكرة.
وإن كان ذلك ليس كافيا لك، فعليك أن تتأمل في نتائج الكثير من الدراسات التي تربط بين دور النشاط البدني في تحسن الحالات المرضية مثل الإصابة بداء السكري، والسمنة، وارتفاع ضغط الدم، وهشاشة العظام، وسرطان القولون، وسرطان الثدي، وربما أيضا سرطان البروستاتا.
ورغم كل هذه الفوائد فإن نحو ثلث الأميركيين البالغين فقط يمارسون التمارين الرياضية التي يحتاجونها.
ويسوق الكثيرون مختلف الحجج لعدم ممارستها، وأكثرها شيوعا هو الاعتقاد بأن التمارين تسبب ظهور التهاب المفاصل.
وحتى ولو افترضنا أن هذا الاعتقاد صائب، فإن من الحكمة لنا أن نتقبل حدوث آلم في الركبتين مقابل التمتع بقلب وعقل سليمين، وبتمثيل غذائي (أيض) صحي.
إلا أن الأبحاث تشير إلى أن التمارين الرياضية آمنة إلى حد ما للمفاصل، سواء لدى الأشخاص من ذوي الوزن الزائد أو الكبار في السن، أو الرياضيين أيضا.
دراسة حول الركبة
عام 1948 تطوع أكثر من 5200 من سكان مدينة فرامنغهام في ولاية ماساتشوستس الأميركية في «دراسة فرامنجهام للقلب» التي توصلت إلى نتائج معمقة حول أسباب النوبات القلبية والسكتات الدماغية.
وفي عام 1971 بدأ العلماء في إجراء دراسة ثانية على أطفال المتطوعين الأصليين، وعلى زوجات أولئك الأطفال.
وفي ما بين عامي 1993 و1994 سجل 1270 شخصا من هؤلاء في دراسة حول التمارين الرياضية والتهاب المفاصل، وكان متوسط أعمارهم حينذاك 53 سنة.
كان كل المشاركين عند بداية هذه الدراسة غير مصابين بالتهاب المفاصل (arthritis).
وأجاب كل منهم عن أسئلة مفصلة حول أنماط تمارينهم الرياضية، ومنها المشي، الهرولة، النشاط البدني الذي يقود إلى التعرّق، ومستوى التمارين عموما.
وقدم كل المشاركين معلومات حول تضرر ركبتهم، وأعراض آلام الركبة أو تيبسها.
كما تم قياس وزن كل المشاركين وأطوالهم، وأجريت لهم صور بأشعة إكس لركبتهم.
وبين عامي 2002 و2005 أجاب المشاركون عن نفس الأسئلة حول آلام الركبة وأضرارها، كما أعيد تصوير الركبة لديهم بأشعة إكس.
وتم تقييم كل صورة شعاعية بشكل مستقل من قبل اثنين من الاختصاصيين لم يكن لديهما أي علم بالتمارين الرياضية التي أجراها المتطوعون.
وعندما جرت مقارنة النتائج لم يعثر الباحثون على صلة بين إجراء التمارين الرياضية وبين ظهور التهاب المفاصل في الركبة.
وظهر أنه ولأكثر الأشخاص نشاطا، كما لدى أقلهم نشاطا، رصدت نفس درجة الخطر في ما يخص الأعراض، أو الجوانب غير الطبيعية التي كشفتها صور أشعة إكس.
وكانت التمارين جيدة للركبة لدى ممارسي الهرولة وكذلك لممارسي المشي، رغم أن المهرولين يبذلون قدرا أعلى من الجهد على الجزء الأسفل من جسمهم مقارنة بالماشين.
وحتى في ما يخص السمنة ـ التي تعتبر نفسها عاملا مستقلا يلعب دوره في حدوث التهاب المفاصل ـ فإن نتائج الأشخاص من ذوي الوزن الزائد الذين مارسوا نشاطا بدنيا كانت جيدة مثل نتائج زملائهم الأرشق.
حماية الغضروف
وفي حين تؤدي دراسة فرامنغهام دورها في تفنيد فكرة أن التمارين تسبب حدوث التهاب المفاصل، فإنها لم تثبت ما يبغيه عشاق الرياضة.
فمن المعروف أن هشاشة العظام تبدأ عندما يأخذ الغضروف الذي يجلس عليه المفصل، بالبلى.
ولأن الغضروف لا يمتلك إمدادات من الدم خاصة به، فإنه يأخذ العناصر المغذية له من سوائل المفصل التي يعوم فيها.
والتمارين تؤدي إلى الضغط على المفاصل، دافعة السوائل الغنية بالعناصر المغذية نحو الغضروف.
وربما لذلك، فإن التمارين المتكررة تكون جيدة للمفاصل.
ولم تعثر دراسة فرامنجهام على أي نتائج تشير إلى دور التمارين في الحماية، إلا أن دراسة أسترالية امتازت بتقنية عالية عثرت على ذلك.
فقد درس باحثون 297 رجلا وامرأة تراوحت أعمارهم بين 40 و69 سنة عند بداية الدراسة في تسعينات القرن الماضي.
وكان كل المشاركين أصحاء، وليس لديهم أي حالات لأضرار أو أمراض، حتى سابقة، في الركبة، وتم قياس وزنهم وطولهم.
وقام المشاركون بتقديم معلومات حول تمارينهم والأعراض على مفاصلهم.
وتم تقييم المعلومات بين عامي 2003 و2004، وخضع كل مشارك إلى تصوير للركبة بجهاز المرنان المغناطيسي.
وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين أجروا أكثر التمارين قوة بتوظيف الأثقال، رصدت لديهم غضاريف في الركبة أكثر صحية، وأكثر سمكا.
«ركبة العدّائين»
إن دراسة فرامنجهام مهمة لأنها قيّمت مجموعة من الأفراد العاديين، من متوسطي العمر، غالبا من ذوي الوزن الزائد، وليسوا من الرياضيين، أي أنهم شبيهون بأكثرية الناس.
إلا أن دراسة أعلنت نتائجها عام 2008 قارنت بين 284 من الرياضيين العدائين الأشداء مع 156 من غير العدائين، لم تجد سوى دلائل ضئيلة على أن التمارين تتسبب في حدوث التهاب المفاصل.
وبعد فترة 21 سنة من المتابعة ظهر أن العدائين لم يتعرضوا إلا إلى قليل من الإعاقة العضلية ـ العظمية الملموسة مقارنة بالآخرين الخاملين، كما تمتع العداؤون بمعدل وفيات يقل بنسبة 39 في المائة.
وهذا البحث قيّم، وهو يؤكد نتائج دراسات سابقة، أشارت مثلا إلى العدائين السابقين لا تظهر لديهم حالات التهاب المفاصل في أرجلهم بشكل أكثر من السباحين السابقين، كما أن أبطال العدو من الرياضيين لا تنتهي بهم الأمور لأن تظهر لديهم التهاب في مفصل عظم الحوض أكثر من الآخرين الذين لا يمارسون الرياضة.
العلاج بالرياضة
غالبا ما توصف التمارين الرياضية للأشخاص المصابين بالتهاب المفاصل. والتمارين يمكن أن تكون آمنة للمفاصل السليمة، فهل هي آمنة للمفاصل غير السليمة؟
عام 2005 راجع باحثون بريطانيون نتائج 13 من التجارب السريرية العشوائية التي قارنت ما بين تأثير رياضة المشي ورياضة تقوية العضلات، وبين تأثير العلاج التقليدي من دون تمارين، على المصابين بالتهاب المفصل العظمي في الركبة.
وظهر أن المشي وتقوية العضلات آمنان وفعالان، لأنهما قللا من الألم ومن الإعاقة. وفي عامي 2006 و2007 أفاد باحثون من بريطانيا وهولندا أن برنامج التمارين المتدرجة آمن وفعال للمصابين بالتهاب في مفصل عظم الحوض أو عظم الركبة.
جسم سليم ومفاصل سليمة
التمارين جيدة للصحة، إلا أن لها مع ذلك أعراض جانبية. ولدرء المشكلات يجب التأكد من أن الصحة العامة جيدة. وعلى كبار السن والمصابين بأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، والسكري، أو أمراض أخرى، استشارة الطبيب.
والكثير منا بمقدوره استعادة شكل جسمه الجيد بالتدريج. والأهم هنا هو الإنصات إلى الجسم عند ممارسة التمارين، وإشعار الطبيب بأي علامات مزعجة. والإحماء قبل التمارين والتبريد بعدها سيقومان بحماية القلب والمفاصل.
كما أن تمارين مطّ العضلات، وارتداء حذاء جيد، وحسن إجراء التمارين، ستقلل أيضا من خطر حدوث أضرار عضلية ـ عظمية.
ومع اتخاذ كل هذه الترتيبات فإن التمارين الرياضية ستكون آمنة لمفاصلك