هل تزداد أعداد الإصابات بحالات التوحد في العالم؟
زادت نتائج دراسة واسعة في حدة المناقشات حول ما إذا كانت اضطرابات طيف التوحد (autism spectrum disorders) قد أصبحت شائعة أكثر، أم أن تطور وسائل التشخيص وازدياد وعي الجمهور هما اللذان يقبعان خلف هذه الزيادة في أعداد الحالات المشخصة.
وأجرى الدراسة باحثون في مكتب صحة الأطفال والأمهات في الولايات المتحدة (التابع لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية)، حللوا بيانات مستقاة من الاستطلاع الوطني لصحة الأطفال عام 2007.
وجمع الباحثون في هذا الاستطلاع الذي تم إجراؤه عبر الهاتف معلومات من 78 ألفا و37 من آباء وأمهات الأطفال، أثناء طلبهم عشوائيا لأرقام الهواتف (وهذه هي الطريقة النموذجية للحصول على نتائج استطلاع لعينة من الأشخاص تمثل فيها كل الفئات).
وأثناء إجراء المسح سئل الوالدان عما إذا كان أي موظف صحي قد أخبرهم بأن طفلهم مصاب بالتوحد، أو باضطراب أسبيرغر (Asperger*s disorder)، أو باضطراب النمو العمومي أو المنتشر (pervasive developmental disorder)، أو بأي اضطراب من اضطرابات طيف التوحد.
وفي الاستطلاع أجاب 913 من الوالدين بأن طفلهما قد شخص حاليا بواحد من اضطرابات طيف التوحد، فيما أجاب 453 آخرون أن طفلهما قد شخص في السابق بمثل هذه الاضطرابات إلا أنه غير مصاب بها الآن.
واستنادا إلى الإجابات فقد قدر الباحثون أن 110 أطفال من أصل 10 آلاف طفل في الولايات المتحدة، مصابون الآن باضطرابات طيف التوحد - أي طفل واحد من كل 91 طفلا تقريبا.
وإن صح هذا فإنه سيعني أن الإصابة باضطرابات طيف التوحد أصبحت أكثر انتشارا من الإصابات بالشيزوفرينيا (التي تصيب 1 من كل 100 أميركي).
تعريف أوسع للتوحد
أظهرت الدراسات المتعددة أن انتشار اضطرابات طيف التوحد آخذ في الزيادة منذ الستينات من القرن الماضي.
وقد عثرت دراسات نشرت في التسعينات من القرن الماضي على معدلات انتشار لهذه الاضطرابات في نطاق يتراوح بين طفلين و5 أطفال لكل 10 آلاف طفل (أو طفل واحد بين كل 2000 - 5000 طفل). وبنهاية القرن الماضي ازداد معدل الانتشار إلى 30 - 60 طفلا لكل 10 آلاف طفل (أو طفل واحد بين كل 167 - 333 طفلا).
أما أحدث الدراسات فقد أفادت بأن معدل الانتشار هو في نطاق 50 إلى 90 طفلا لكل 10 آلاف طفل (أو طفل واحد بين كل 111 - 200 طفل). وبالتأكيد، فإن اتساع معايير التشخيص قد ساعد على رصد الزيادة في هذه المعدلات.
وفيما ركزت الدراسات السابقة على حالة التوحد نفسها، فإن الدراسات التي أعقبتها، ومنذ التسعينات من القرن الماضي، وسعت معايير التشخيص لتشمل «اضطراب أسبيرغر» و«اضطراب النمو العمومي أو المنتشر»، والاضطرابات الأخرى في طيف التوحد.
وإضافة إلى ذلك، فإن الوالدين، والاطباء، والمدرسين، أصبحوا خلال السنوات الأخيرة، أكثر وعيا باضطرابات طيف التوحد.
وأخيرا فقد أصدرت أكاديمية أطباء الأطفال الأميركية في عام 2007 - وهو العام نفسه الذي أجري فيه استطلاع صحة الأطفال المذكور آنفا - تقريرين أوصت فيهما أطباء الأطفال، بزيادة إجراء الفحوصات على الأطفال منذ سن صغيرة، لرصد اضطرابات النمو لديهم، وذلك بهدف التدخل المبكر لعلاجها.
نتائج مهمة
وإحدى النتائج المهمة للاستطلاع الأخير الذي غطت عليه النتائج حول ازدياد انتشار اضطرابات طيف التوحد، هي أن نحو نصف الآباء والأمهات الذي أجابوا بأن لديهم طفلا مصابا بواحد من اضطرابات طيف التوحد، قالوا إن أعراضه خفيفة.
بينما أجاب 34 في المائة بأن الأعراض متوسطة، ولم يقل سوى نحو 17 في المائة من الآخرين إن الأعراض شديدة.
وهذه نقطة مهمة بمقدورها طمأنة أولئك الآباء والأمهات القلقين الذين يفترضون أن ازدياد انتشار الحالات يعني تحولها إلى وباء تسود فيه حالات شديدة من اضطرابات طيف التوحد.
كما كان من المدهش ملاحظة عدد الآباء والأمهات الذين أجابوا بأن طفلهم كان قد شخص بأحد اضطرابات طيف التوحد في وقت ما في الماضي، إلا أنه غير مصاب بهذا الاضطراب حاليا.
وقد تكهن الباحثون بأن هذه الإجابات تعكس حالات التشخيص الخاطئة في أوقات مبكرة من حياة الطفل، تم تصحيحها لاحقا، إضافة إلى احتمال وجود أعراض خفيفة لدى بعض الأطفال، تمت إزالتها بفضل جهود العلاج المبكر.
محدودية الدراسة
وقد نوه الباحثون في هذه الدراسة بمحدوديتها في عدة جوانب. وهو الأمر الذي يقلل من أهمية بعض نتائجها.
ولعل أهم الجوانب في محدوديتها قد تمثل في أن الاستطلاع اعتمد على إجابات الآباء والأمهات، وهي إجابات لم يتم تقييم صحتها بتدقيق سجلات الطفل الطبية أو المدرسية.
كما أن الجانب الثاني من محدودية الدراسة يكمن في أن النتائج اعتمدت على استطلاع هاتفي أجري بالطرق القديمة، وذلك بإدارة أرقام الهاتف الموجودة في دليل الهاتف - وفي وقت تخلى فيه الكثير من الأميركيين عن الهواتف المثبتة واستبدلوا بها تماما الهواتف الجوالة، التي لا ترد أرقامها في دليل الهاتف.
كما تثير الدراسة تساؤلات حول التشخيص الزائد عن الحد (over–diagnosis)، إلا أنها تؤكد حقيقة أن اضطرابات طيف التوحد تعتبر مسألة مهمة في ميدان الصحة العقلية.
نقاط رئيسية
- ازداد انتشار اضطرابات طيف التوحد منذ الستينات من القرن الماضي.
- وجد استطلاع جديد للآباء والأمهات أن 1 من كل 91 أميركيا تقريبا، مصاب باضطراب طيف التوحد.
- أغلب الآباء والأمهات ذكروا أن لدى أطفالهم أعراضا خفيفة أو متوسطة، فيما ذكر 17 في المائة منهم فقط أن الأعراض كانت شديدة.