ولع الأطفال بالكمبيوتر هل يعيق تفكيرهم أم ينمي إبداعهم؟!
ولع الأطفال بالكمبيوتر هل يعيق تفكيرهم أم ينمي إبداعهم؟!
الاهتمام بالحالة النفسية والاجتماعية أهم من حسابات الأسرة المالية.
لم يعد ممكنا تخيُّل الحياة العصرية دون وجود الكومبيوتر فيها الذي أصبح منتشراً بين مختلف فئات المجتمع، وأضحى هذا الجهاز أحد مفردات الحياة اليومية للأطفال، وساهمت العلاقة بين هذا الجهاز والصغار في إحداث تغييرات حقيقية في سلوك الطفل وعلاقته مع محيطه، وفي عاداته وطريقة تفكيره، وفي الضغط على ميزانية الأسرة في سبيل تأمين طلبات الأطفال المتنامية، والتي لا تنتهي من شراء الأقراص المدمجة التي تضم الأفلام والأغاني والألعاب، إضافة إلى تنزيل البرامج وصيانة الأجهزة، عدا عن إدمان بعض الأطفال على محلات ألعاب الكمبيوتر التي تكلف الساعة الطفل ما يقارب الدولار وأحياناً دولارين وثلاثة دولارات.
ومن الطبيعي أن تتوفر عوامل جاذبة تجعل الأطفال مولعين بالكمبيوتر بشكل كبير، ولا فكاك منه فهاهي الطفلة رجاء حسين( 9سنوات) تقول:إن الكمبيوتر جزء من حياتي، أنا أحبه كثيراً لأنه يعلمني الرسم والتلوين والكتابة، ومن خلاله استمع إلى الموسيقا.
أما الطفل جورج الياس (11سنة) يقول: فضلت الكمبيوتر على التلفزيون لأن الأخير يجعلني بليداً أتابع المحطات الفضائية الكثيرة دون أن يكون لي أي دور، أما الكمبيوتر فهو يجعلني أتفاعل مع ما أرى بحيث أصبح جزءً فعالاً منه.
سحر هذه التقنية الحديثة وجاذبيتها للأطفال يتجلى في الفترة الزمنية التي يقضونها أمام شاشة الجهاز يومياً. يقول الطفل عمر عبد الله( 10 سنوات): أنا أقضي أكثر من ثمانية ساعات مقابل الكمبيوتر، أقضي كل هذا الوقت في الألعاب التي اشتريها، وهي منتشرة ورخيصة، وأحياناً أنسخ سي دي الألعاب من أصدقائي.
ويعتبر آكاد عبو (7 سنوات) أن الكمبيوتر يأخذ كل ما هو متاح له من وقت، حيث لا يعرف بالضبط كمية الساعات التي يقضيها في مواجهة الجهاز، لكنني أشعر بتفاعل كبير معه وأعتقد أنني أستطيع القول إن الحياة بدونه أصبحت صعبة جداً حالياً فكيف في المستقبل القريب الشيء الوحيد أنني عندما أستريح منه أتفرغ للرسم والتلوين الذي أستمتع بهما.
ضغط على مصروفات الأسرة والأهل خائفون من انطواء الأولاد
عدا عن المتطلبات المالية التي يجب أن توفرها الأسرة للأطفال والتي تتجاوز ما نسبته 10% من مصروفات الأسرة فإن حالة الاستغراق التي يعيشها الأطفال أمام الكمبيوتر تجعل علاقة بعضهم مع الأهل متوترة جداً نتيجة توجس الوالدين من تأثيرات ضارة للجلوس طويلاً أمام الجهاز على الصحة والتحصيل الدراسي وهو ما تؤكده والدة الطفل محمد، وهي مدرسة، حيث تقول: الكمبيوتر تقانة مهمة جداً للإنسان في هذا الوقت لكنني أخاف أن يؤثر اهتمام الطفل الزائد به تأثيرات سلبية من ناحيتين الناحية الأولى قلة اهتمامه بواجباته المدرسية، والناحية الأخرى تأثير اشعاعات الشاشة على عيني الطفل مما قد يصيبه بأضرار خطيرة، هذا عدا عن التخوف من تحول انزواءه إلى عادة وسلوك ثابت حيث يصعب تفاعله مع أفراد أسرته والمحيطين به.
فمحمد لا يرتاح لقلق أمه عليه حيث تقوم بتقييد حريته ووضع برنامج له نصيب الكمبيوتر منه لا يتجاوز ساعة ونصف يومياً، لكنه يتحايل على هذا البرنامج بساعات زائدة في البيت وعند الأصدقاء.
وفي المقابل تقول رجاء حسين: أن والدي متفهمان لتعاملي مع الكمبيوتر، خاصة وأنهما يشهدان استخدامي للكمبيوتر في أشياء نافعة مثل الرسم وكتابة الشعر وحفظ القرآن. ويؤيد والدا الطفلة ما تقوله فهما يعتبران أن فوائد الحاسوب أكبر بكثير من سلبياته، وهما يؤمنان لي ما أريد من الناحية المالية لأتزود بكل ما هو جديد.
تهافت على شراء الألعاب، وألعاب العنف منتشرة.
الأمر اللافت في العلاقة بين الطفل والكمبيوتر هو اهتمام الأطفال اللامحدود بالألعاب الإلكترونية حيث تأخذ منهم وقتاً طويلاً تجعل الطفل ينسى نفسه، وتتباين أراء هؤلاء الأطفال حول الألعاب التي يحبونها.
الطفل معتز حميد يقول: أنا أحب ألعاب العنف والحروب والمعارك، ويشاطره في هذا الرأي عمر عبد الله الذي يقول أن ولعه بألعاب العنف والحروب ناتج عما يسمعه في الأخبار ومن أهله ورفاقه حول الموت والحروب في بلدان عربية وأجنبية، ويعترف الطفل بأن هذا الألعاب جعلته أكثر عنفاً في التعامل مع أخوته وأصدقائه فهو يتفاعل معها ويطبق ما يشاهده عليهم أحياناً. وهو يحرص دائماً على شراء مزيد من أفلام العنف وهو ما يجعله يشعر بعدم ارتياح الأهل ليس بسبب النفقات المادية، ولكن بسبب خياراتي التي يعتقدون أنها خاطئة.
الطفل جورج إلياس يخالف أقرانه من حيث نوعية الألعاب التي يولع بها فهو مهتم فقط بالألعاب الرياضية مثل كرة القدم وسباقات السيارات وغيرها لأنه تجعله منافساً لشريك أخر شبيه بأصدقائه في المدرسة والحي.
أما الطفلة رجاء حسين فتقول: أنا مولعة بألعاب غير ألعاب الأولاد فأنا لا أحب ألعاب الحرب، بل أحب ألعاب مثل النمر الوردي وطرزان والدودة المسلحة وروماريو، وكلها ألعاب لا تحمل العنف بل هي مسلية وممتعة.
بعض الأطفال لم يتوقفوا عند الألعاب بل ذهبوا إلى الابتكار والإبداع فالطفل جورج إلياس يقول: ولعي الشديد بالكمبيوتر جعلني أقوم بتركيب بعض الفلاشات والوصلات الموسيقية والألعاب البسيطة، وأنا الآن منتسب لأحد المعاهد الخاصة لتطوير خبراتي في الكمبيوتر، وعندي طموح للتخصص مستقبلاً في المعلوماتية لأنني مقتنع بأن هذا الاختصاص يتناسب مع قدراتي وتفكيري.
رأي المختص: توجيه الطفل دون تخويفه
أراء متطابقة في زاوية ومتباينة في زاوية أخرى، لكن ما لا خلاف عليه بين الأطفال هو أن الكمبيوتر صديق جديد لهم جميعاً له عليهم سلطة وجاذبية، تجعلهم لا يستطيعون مفارقته، وللإطلالة على العلاقة بين الطفل والحاسوب من منظور علم الاجتماع يقول المتخصص إسماعيل الأحمد إن: الكمبيوتر نتاج حضاري إنساني يؤثر على كل شرائح المجتمع، وهو في عالم اليوم حاجة لا يمكن الاستغناء عنها في مجالات حياتنا المتعددة، وفيما يتعلق بالأطفال فإن التعامل مع هذا الجهاز فيجب النظر إليهم من جهتين أولاً: لا ضرورة لتخويف الأهل لأبنائهم من الكمبيوتر وكأنه وحش قادم لالتهامهم، وثانياً: يجب على الأهل ألا يتركوا الحبل على الغارب للأطفال لأن ذلك يجعل الأبناء يغوصون في حياة افتراضية ليست دوماً مشابهة للواقع الاجتماعي السوري. إذاً المطلوب من الأهل الابتعاد عن معاداة روح العلم وعدم التخويف من التقنيات الحديثة لأن العلم وجاذبية ثورة المعلومات أقوى من أي تخويف، هذا عدا عن أن الطفل قد أصبح متأثراً بالكمبيوتر يصعب معه إجراءات التخويف والضغط لإبعاده عن الجهاز،وإذا كان الأمر كذلك فإنه يستدعي من الأهل عدم الممانعة بل توجيه اهتمامات الأطفال نحو ما يوافق ملكاتهم وخياراتهم ومواهبهم ففي ذلك وضع للطفل على طريق الإبداع والاستفادة من التقنيات الحديثة بما يفيدهم ويؤثر على المجتمع بشكل ايجابي، وهو أيضاً ما يجعلهم يعيشون طفولتهم في مجتمعهم الحقيقي دون أن يؤدي بهم إلى الانطواء والانعزال في مجتمع لا صلة له بحياتهم الواقعية.
أخيراً
يبدو أن العلاقة بين الطفل والكمبيوتر أصبحت أكثر من علاقة حميمة، ويمكن القول أنها استثنائية، حيث أخذ منهم أغلب وقتهم وعلى حساب اللعب التقليدي، والطعام، والخروج إلى النزهة، وأحياناً على حساب المدرسة وواجباتها، مما يتطلب من الأهل الأخذ بمبدأ التوازن بين اهتمام الطفل بالكمبيوتر واحيتاجاته الاجتماعية الأخرى حتى ينمو في أجواء سليمة إنسانية فالطفل مهما استغرق في الكمبيوتر فلن يأخذ حناناً كالذي تعطيه الأم لوليدها والذي لن يستطيع أي تقنية حديثة أن تقدمه للطفل، وهذا الأمر أهم من التفكير بالنفقات المالية للأسرة فيما يتعلق بأجهزة حاسوب الأطفال.
لكن يفكر الكمبيوتر حينما يشد الأطفال السوريين إلى شاشته نوعاً من الأمان على اعتبار أن شروط السكن الصحي غير متوفرة لكثير من الأسر السورية ولم توفر الحكومة كذلك الحدائق العامة التي فيها ألعاب بشروط صحيّة ولم توفر أيضاً أماكن جيدة وخاصة لألعاب الأطفال لاسيما الذين دون سن الثانية عشرة ومع غياب الدور الحكومي في تنظيم وتخصيص مساحات أمنية للأطفال يبقى وجودهم إلى جانب الكومبيوتر أقل ضرراً وأكثر أماناً.
نجلاء بكرو