<TABLE dir=rtl cellSpacing=0 cellPadding=0 width=644 border=0><TBODY><TR><TD class=darkBrownText>
المسلمون وابتكار المستشفيات
</TD><TD class=add_date style="PADDING-LEFT: 3px" align=left></TD></TR><TR><TD class=arabicTransparent dir=rtl colSpan=2> لم تبدأ الحضارة الإسلامية الاهتمام بالطب في القرن الثاني أو الثالث الهجري -كما يعتقد البعض - وإنما بدأ الاهتمام حقيقةً منذ البدايات الأولى لهذا الدين العظيم ، وما أكثر الأحاديث والمواقف التي حث فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين على التداوي ، وما أكثر الضوابط التي حواها شرعنا الحكيم ؛ ليجعل الطب في النهاية علمًا مفيدًا نافعًا أخلاقيًا إنسانيًا ، يهدف إلى نفع البشرية وخدمة الإنسانية .
يقول رسولنا – صلى الله عليه وسلم - ( فيما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه ) : " ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً " .
وإسهامات المسلمين في مجال الطب لا تُحصى . . ولعل من أجَلِّ هذه الإسهامات وأعظمها أن المسلمين هم أول من أسس المستشفيات في العالم ، بل إنهم سبقوا غيرهم في ذلك الأمر بأكثر من تسعة قرون ! ! فأول مستشفى إسلامي أُسِّس في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك ، والذي حكم ( من سنة 86 هـ إلى سنة 96 هـ ) ، وكان هذا المستشفى متخصصًا في الجذام ، وأنشئت بعد ذلك المستشفيات العديدة في العالم الإسلامي ، وبلغ بعضها شأوًا عظيمًا ؛ حتى كانت هذه المستشفيات تُعدّ قلاعًا للعلم والطب ، وتُعتبر من أوائل الكليات والجامعات في العالم . بينما أُنشِئ أول مستشفى أوروبي في باريس بعد ذلك بأكثر من تسعة قرون ! !
وكانت المستشفيات تُعرف بـ ( البيمارِسْتانات ) ، وكان منها الثابت ومنها المتنقّل ، فالثابت هو الذي يُنشَأ في المدن ، وقلَّما تجد مدينة إسلامية - ولو صغيرة - بغير مستشفى، أما المستشفى المتنقل فهو الذي يجوب القرى البعيدة والصحارى والجبال . . وكانت المستشفيات المتنقّلة تُحمَل على مجموعة كبيرة من الجِمال ( وصلت في بعض الأحيان إلى أربعين جملاً ! ! وذلك في عهد السلطان محمود السلجوقي رحمه الله والذي حكم من سنة 511 هـ إلى سنة 525 هـ ) وكانت هذه القوافل مُزوَّدة بالآلات العلاجية والأدوية ، ويرافقها عدد من الأطباء ، وكان بمقدورها الوصول إلى كل رقعة في الأمة الإسلامية .
وقد وصلت المستشفيات الثابتة في المدن الكبرى إلى درجة راقية جدًا في المستوى ، وكان من أشهرها المستشفى العضُدي ببغداد ( والذي أنشئ في سنة 371 هـ ) ، والمستشفى النوري بدمشق ( والذي أنشئ في سنة 549 هـ ) ، والمستشفى المنصوري الكبير بالقاهرة ( والذي أنشئ سنة 683 هـ ) ، وكان بقرطبة ( وحدها ) أكثر من خمسين مستشفى ! !
وكانت هذه المستشفيات العملاقة تُقسّم إلى أقسام بحسب التخصص : فهناك أقسام للأمراض الباطنة ، وأقسام للجراحة ، وأقسام للأمراض الجلدية ، وأقسام لأمراض العيون، وأقسام للأمراض النفسية ، وأقسام للعظام والكسور ..
ولم تكن هذه المستشفيات مجرد دور علاج ، بل كانت كلّيات طب حقيقية على أرقى مستوى ؛ فكان الطبيب المتخصص ( الأستاذ ) يمرُّ على الحالات في الصباح ، ومعه الأطباء الذين هم في أولى مراحلهم الطبية ، فيعلمهم ، ويدوّن ملاحظاته ، ويصف العلاج، وهم يراقبون ويتعلمون ، ثم ينتقل الأستاذ بعد ذلك إلى قاعة كبيرة ويجلس حوله الطلاب فيقرأ عليهم الكتب الطبية ، ويشرح ويوضّح ، ويجيب عن أسئلتهم .. بل إنه يعقد لهم امتحانًا في نهاية كل برنامج تعليمي معين ينتهون من دراسته ، ومن ثم يعطيهم إجازة في الفرع الذي تخصصوا فيه .
وكانت المستشفيات الإسلامية تضم في داخلها مكتبات ضخمة تحوي عددًا هائلاً من الكتب المتخصصة في الطب والصيدلة وعلم التشريح ووظائف الأعضاء . . إلى جانب علوم الفقه المتعلقة بالطب ، وغير ذلك من علوم تهم الطبيب . .
ومما يذكر على سبيل المثال - لنعرف ضخامة هذه المكتبات - أن مكتبة مستشفى ابن طولون بالقاهرة كانت تضم بين جنباتها أكثر من مائة ألف كتاب ! !
وكانت تُزرَع - إلى جوار المستشفيات - المزارع الضخمة التي تنمو فيها الأعشاب الطبية والنباتات العلاجية ؛ وذلك لإمداد المستشفى بما يحتاجه من الأدوية .
أما الإجراءات التي كانت تُتخذ في المستشفيات لتجنب العدوى فكانت متميزة . . بل عجيبة ! ! فكان المريض إذا دخل المستشفى يُسلّم ملابسه التي دخل بها ، ثم يُعطَى ملابس جديدة مجانية لمنع انتقال العدوى عن طريق ملابسه ( التي مرض وهو لابس لها ) ، ثم يدخل كل مريض في عنبر مختص بمرضه ، ولا يُسمح له بدخول العنابر الأخرى لمنع انتقال العدوى أيضًا ، وينام كل مريض على سرير خاص به ( بملاءات جديدة وأدوات خاصة )
قارن كل ذلك بالمستشفى الذي أنشئ في باريس بعد هذه المستشفيات الإسلامية بقرون ، حيث كان يَُسمح للمرضى بالإقامة في عنبر واحد ( بصرف النظر عن نوعية مرضهم ! ) بل ويُسمح بنوم ثلاثة أو أربعة أو أحيانًا خمسة من المرضى على سرير واحد ! فتجد مريض الجدري إلى جوار حالات الكسور إلى جوار السيدة التي تلد ! كما كان الأطباء والممرضون لا يستطيعون دخول العنابر إلا بوضع كمّامات على الأنف من الرائحة شديدة العفونة في داخل هذه العنابر ! بل كان الموتى لا يُنقلون إلى خارج العنابر إلا بعد مرور أربعٍ وعشرين ساعةً على الأقل من الوفاة ! ! فتخيل مدى خطورة هذا الأمر على بقية المرضى ! فالحمد لله الذي شرفنا بالإسلام . .
ومن أعظم المستشفيات الإسلامية : المستشفى العضُدي ، الذي أنشأه ( عضد الدولة ابن بويه ) عام 371 هـ في بغداد ، وكان يقوم بالعلاج فيه عند إنشائه أربعة وعشرون طبيبًا تزايدوا بعد ذلك جدًا ، كما كان يضم مكتبة علمية فخمة وصيدلية ومطابخ ، وكان يخدم فيه عدد ضخم من الموظفين والفرَّاشين ، وكان الأطباء يتناوبون على خدمة المرضى بحيث يكون هناك أطباء بالمستشفى أربعةً وعشرين ساعة يوميًا .
ومن المستشفيات الإسلامية العظمى أيضا : المستشفى النوري الكبير بدمشق ، والذي أنشأه السلطان العادل ( نور الدين محمود الشهيد رحمه الله ) وذلك في سنة 549 هـ ، وكان من أجَلّ المستشفيات وأعظمها ، واستمر في العمل فترة طويلة جدًا من الزمان ، حيث بقي يستقبل المرضى حتى سنة 1317 هـ ( 1899 م ) أي قرابة ثمانمائة سنة ! !
كذلك من أعظم المستشفيات في تاريخ الإسلام : المستشفى المنصوري الكبير الذي أنشأه ( الملك المنصور سيف الدين قلاوون رحمه الله ) في القاهرة ، وذلك سنة 683 هـ وكان آية من آيات الدنيا في الدقة والنظام والنظافة ، وكان من الضخامة بحيث إنه كان يعالج في اليوم الواحد أكثر من أربعة آلاف مريض !
ولا ننسى في هذا المضمار مستشفى مراكش الذي أنشأه ( المنصور أبو يوسف يعقوب رحمه الله ) ملك دولة الموحدين بالمغرب الذي حكم من 580 هـ إلى 595 هـ ، وكان بناء هذا المستشفى آية من آيات والإتقان والروعة ! فقد غُرست فيه جميع أنواع الأشجار والزروع ، بل كانت في داخله أربع بحيرات صناعية صغيرة ! ! وكان على مستوىً عالٍ جدًا من حيث الإمكانيات الطبية والأدوية الحديثة والأطباء المهرة . .
لقد كان - بحق - درّة في جبين الأمة الإسلامية . . .
ليس هذا فقط . . بل كانت هناك المستشفيات المتخصصة ، التي لا تعالج إلا نوعًا معينًا من الأمراض : كمستشفيات العيون ، ومستشفيات الجذام ، ومستشفيات الأمراض العقلية ، وغير ذلك . . .
وأعجب من ذلك وأغرب أنه كانت توجد في بعض المدن الإسلامية الكبرى أحياء طبية متكاملة ؛ فقد حدَّث ابن جبير رحمه الله في رحلته ( التي قام بها في سنة 580 هـ تقريبًا ) أنه رأى في بغداد - عاصمة الخلافة العباسية - حيًّّا كاملاً من أحيائها يشبه المدينة الصغيرة ، يتوسطه قصر فخم جميل ، تحيط به الحدائق والبيوت المتعددة ، وكان كل ذلك وقفًا على المرضى ، وكان يؤمه الأطباء من مختلف التخصصات ( فضلا عن الصيادلة وطلبة الطب ) وكان النفقة جارية عليهم من الدولة ومن الأوقاف التي يجعلها الأغنياء من الأمة لعلاج الفقراء وغيرهم .
وبعد . .
فهذا قليل من كثير ، وما أغفلنا ذكره أكثر بكثير مما علّقنا عليه ، وليس هذا إلا وجه بسيط من أوجه الحضارة الإسلامية العظيمة . .
وللحديث بقية . . .
وأسأل الله أن يُعزّ الإسلام والمسلمين
.............................. .............................. .
. <META content=Word.Document name=ProgId><META content="Microsoft Word 11" name=Generator><META content="Microsoft Word 11" name=Originator><LINK href="file:///C
OCUME~1walidLOCALS~1Tempmso html1�1clip_filelist.xml" rel=File-List><STYLE type=text/css><!-- /* Style Definitions */ p.MsoNormal, li.MsoNormal, div.MsoNormal {mso-style-parent:""; margin:0cm; margin-bottom:.0001pt; text-align:right; mso-pagination:widow-orphan; direction:rtl; unicode-bidi:embed; font-size:14.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-font-family:"Times New Roman";}@page Section1 {size:595.3pt 841.9pt; margin:72.0pt 90.0pt 72.0pt 90.0pt; mso-header-margin:35.4pt; mso-footer-margin:35.4pt; mso-paper-source:0;}div.Section1 {page:Section1;}--></STYLE></META></META></META></META>
تم نشر هذا المقال في مجلة التبييان العدد الثالث عشر شعبان 1426 هــ / سبتمبر - أكتوبر2005م صـ48ـي
</TD></TR></TBODY></TABLE>