جامع السلطان سليمان القانوني في إسطنبول أكبر جوامع الدولة العثمانية
تجري العادة في تركيا عند قدوم شهر رمضان، حدوث احتفاء كبير به، فتتحول معه الجوامع الكبيرة لمراكز جذب الصائمين والزائرين والعابدين، مثل جامع السليمانية بإسطنبول، حيث يجمع روحانية الشهر الكريم، مع عظمة السلطنة والمعمار.
“السليمانية” جامع يستمد اسمه من السلطان سليمان القانوني العظيم، يجمع عظمة السلطان، مع عظمة السلطنة العثمانية، ليعكس عظمة الإسلام، عبر معماري عظيم هو “المعمار سنان”.
وخلال شهر رمضان يتحول المكان إلى مقصد الصائمين بغرض الإفطار، وإقامة صلاة التراويح.
ويقع الجامع على تلة مرتفعة بقلب إسطنبول، ويطل بعظمته الفنية والمعمارية، على مضيق البسفور، وخليج القرن الذهبي، وعلى معظم أحياء إسطنبول التي تقع داخل الأسوار القديمة، فضلا عن رؤية الأبراج التجارية الحديثة.
ويكتظ الجامع بالمصلين في صلاة التراويح، وخاصة نهاية الأسبوع، ويتسع الجامع لنحو 10 آلاف مصل، يصل عددهم في ليلة القدر نحو 30 ألفا.
الجامع يضم أيضا ضريح السلطان القانوني، مع عدد كبير من أبنائه، وكذلك زوجته حرم سلطان، فضلا عن وجود قبور لمشاهير من العصر العثماني، كما يضم مكتبة شهيرة، ومنشآت عديدة.
أيهان مانسز، أحد أئمة الجامع وخطبائه، شرح أهمية الجامع، بالقول “العثمانيون كما هو معروف خدموا الإسلام، ولخدمة القرآن، جعلوا ذلك ينعكس للخارج فكان يتطلب إنشاء أكبر الجوامع لإظهار عظمة الدين”.
وأضاف “من أجل ذلك، فإن السلطان الموصوف تاريخيا بالعظيم، كلف معماريا عظيما هو المعماري سنان لإنشاء السليمانية العظيم، فهو أكبر جوامع فترة الدولة العثمانية”.
ولفت مانسز، إلى أن “الجامع يستوعب في الداخل 10 آلاف شخص، وفي باحته 6 آلاف، وفي ليلة القدر عندما يكون الطقس جيدا، يصل العدد 30 ألفًا”.
وعن حيثيات وأسباب بناء الجامع، أوضح أن “الجوامع المحيطة بالسليمانية صغيرة، وبناء هذا الجامع بالشكل كبيرا جاء استجابة لمتطلبات الصلاة”.
ونقل الإمام مانسز، رواية مفادها أن “السلطان سليمان رأى الرسول الكريم (ص) في نومه، وهو السلطان الورع، بأنه كان مع الرسول يتجول في التلة وهي أعلى تلة في ذلك الزمن، فتم إقرار بناء الجامع، ليستدعي في اليوم التالي المعماري سنان، ويكلفه بالأمر”.
أما معماريا، فقد تطرق إلى أن الجامع “لا يحتوي زينة كبيرة، ولكنه جامع صامد معماريا رغم أنه شيد ما بين 1550-1557، والمعماري سنان عندما شيد الجامع كان قد قال (شيدت جامعا إن لم يتعرض للأذى من الناس فإنه سيبقى قائما ليوم القيامة)”.
وأردف “هناك في القسم الأمامي زجاجيات وزخارف، وعلى يمين المحراب كتبت سورة الفاتحة بنقش جميل على الزجاج المزخرف لا يوجد مثيل له في العالم، وعلى الزجاج هناك خطوط خاصة لا توجد في جوامع أخرى بإسطنبول في التزيين”.
وكشف مانسز، أن “أعمال الخط نفذها أعظم خطاطي تلك المرحلة وهو أحمد قاره حصار، وبحسب الروايات فإنه أثناء الكتابة فقد عينيه، ولهذا كان افتتاح الجامع عبره، عندما طلب سليمان من المعماري سنان افتتاحه فقال الأخير إن للخطاط أولوية، فقد فقد بصره إبان عمله”.
وأشار إلى أن الجامع هو “كلية أيضا تتضمن منشآت تعليمية عديدة، تعادل في ذلك الزمن جامعة، وحمام، ودار الضيافة الذي يقدم الطعام للفقراء، ومستشفى، ومكتبة شهيرة”.
وتحدث إمام “السليمانية”، عن المكتبة الشهيرة في العالم الإسلامي بأنها “تتضمن آثارا مكتوبة بخط اليد، والأحبار المستخدمة فيها منشأها من جامع السليمانية، وهي مكتبة مهمة وتجمع الآثار المكتوبة بخط اليد”.
وأضاف أنه “في فترة العثمانيين كانت تعقد حلقات العلم في الجامع أيضا”.
وفيما يخص الأضرحة الموجودة في الجامع، أكد مانسز، أنها تضم “السلطان القانوني، وابنته مهرماه، وبقية أبنائه وزوجته حرم سلطان”.
ونفى “مانسز” صحة ما جاء في أعمال فنية حول “حياة القانوني وزوجته حرم سلطان”، مشددا على أنهما “كرسا حياتهما في خدمة الإسلام، والقانوني أمضى حياته على ظهر جواده بميادين الجهاد”.
وحول أهمية الجامع في يومنا المعاصر، أوضح: “السليمانية في كل زمان هي الرقم واحد، فهي أثر المعماري سنان، ويتضمن أسرارا هندسية لم يكتشفها المعماريون بعد”.
وأشار “مانسز” إلى أن “الزائرين العرب يتوافدون على الجامع خاصة في صلاة الجمعة، أما في الصيف فيزداد عدد الزائرين أكثر، وأنا أساعدهم بقدر معرفتي بالعربية في فهم تاريخ الجامع عندما يسألون عنه”.
وعن الجامع خلال رمضان، ذكر أن “الناس تتوافد للإفطار في باحات وحدائق جامع السليمانية، في عادات تركية سائدة منذ القدم، فيفترشون الباحات ليفطروا، ويصلوا التراويح لاحقا”.
ورصدت الأناضول إقبال المواطنين من أجل انتظار فترة المغرب، مفترشين حدائق الجامع، منهم من يلتقط صورا تذكارية مع المناظر الجميلة، ومنهم من أعد ما يتناوله كطعام للفطور بين ساعات طويلة من الصيام.
كما يشهد الجامع فعاليات عديدة من برامج تلفزيونية، وتلاوات قرآنية، وإنشاد ديني.
وتنتشر على أطراف الجامع مطاعم الفاصولياء التقليدية الخاصة، التي تلقى إقبالا من السائحين، وتمتاز بطعم مميز في تلك المنطقة، فضلا عن انتشار المحلات والأسواق التجارية القديمة