ملايين الناس في أنحاء العالم يتناولون المهدئات، بعد أن أصبح التوتر سمة العصر. وإذا استخدم الإنسان المهدئات بشكل واع، وتحت إشراف الطبيب؛ فلسوف تكون ذات فائدة له وقت اللزوم.
لكن كثيراً من الناس في البلاد العربية باتوا يعتمدون على تلك المهدئات، الموصوفة طبياً، أو المجلوبة من أي مكان دون أي إشراف .. وأصبح هؤلاء أسرى لتلك العقاقير، وصاروا غير قادرين على التوقف عن تعاطيها، حتى لو أرادوا ذلك.
المهدئات، وهي عقاقير، أدوية، حبوب، كبسولات، توصل إليها العلم وطورها بعد مجهود شاق وبحث مستمر، وهي تنقسم إلى مجموعتين:
- المجموعة الأولى: تثبط من نشاطات المخ، وتهدئ من عمل الجهاز العصبي المركزي ككل، مثل المنومات المعروفة باسم «البابيتيورات»، وهي في جرعاتها الصغيرة تزيل الموانع من الشعور الإنساني (أي تترك الإنسان يتصرف بحرية لا شعورية أكثر)، لكنها في كمياتها الكبيرة تؤثر على العقلانية والقدرة على تحمل المسؤولية، حيث يحس الإنسان بالدوخة والنوم، كما أنها قد تؤدي إلى الغيبوبة، وقد يتوقف عمل القلب والرئتين إذا زادت الجرعة عن حدِّها المطلوب.
- المجموعة الثانية: تعمل في أجزاء محدودة من المخ تتعلق بالوجدان والمشاعر، وهي أسلم نسبياً من البابيتيورات، وتسمى بالبنزوديازبينات Benzodizepines، ولها خاصية التهدئة ومنع الخوف، دون تأثير على عمل قشرة المخ.
الاعتماد النفسي والجسدي
الإدمان على تلك العقاقير المهدئة لا يعدو كونه اعتمادا نفسيا وبدنيا. والاعتماد النفسي تكون فيه حاجة المريض إلى تناول العقار، فقط للحصول على الانشراح والتأثير اللطيف، أو على الأقل لإزالة الأحاسيس المؤلمة والمتعبة وغير المرغوب فيها.
أما الاعتماد الجسدي، فيعني احتياج الجسم إلى استمرارية تناول الدواء، بصرف النظر عن فائدته من عدمها.
كما تظهر على المدمن آثار انسحاب العقار من الجسم واضحة عند التوقف عن تعاطيه، مثل الضيق، والعرق الغزير، والدوخة، والدوار، والغثيان، وجفاف الحلق، مع الرغبة الشديدة في تناول الدواء. وإذا فعل؛ زالت تلك الأعراض، مما يؤكد عملية الاعتماد الجسدي.
وتجدر الإشارة هنا إلى شيوع إدمان العقاقير ذات التأثير النفسي، خاصةً في الولايات المتحدة ودول غرب أوربا وبعض الدول العربية.
ومن الصعب التكهن بالذين يتهددهم شبح الإدمان أو الاعتماد على المهدئات، لكن نذكر هنا بعض المؤشرات التي تساعدنا على تحديدهم، مثل فترة تناول العقار، ومدة العلاج به.
وبعض الناس يخافون من مجرد تناول حبة واحدة أو قرص واحد، لكن تزيد خطورة الاعتماد مع طول فترة العلاج، ويجب أن يكون الأمر كله تحت إشراف الطبيب.
وتعتبر فترة سنة أو أكثر أمراً غير مستحب، إلا إذا اقتضت الضرورة عكس ذلك. كذلك فإن الجرعة الدوائية تحدد درجة الاعتماد، فكلما زادت الجرعة، زاد معها خطر الاعتماد، في حين أن الدراسات قد أثبتت أيضا أن تناول جرعات صغيرة على فترات طويلة يولد الاعتماد.
وبشكل عام، فإن المدمنين على العقاقير غير الموصوفة طبياً لديهم قابلية أكثر للاعتماد على الأدوية ذات التأثير النفساني.
هناك مجموعات من المتعاطين للحبوب المهدئة:
- المجموعة الأولى: تتمثل في شخص يجد صعوبة في النوم ليلاً بسبب مشاكل تتعلق بعمله مثلاً، لأن رئيسه المباشر ينتقده بشدة، ودون أي سبب واضح.
هذا الإنسان خجول ويجد صعوبة في مواجهة رئيسه، وعندما توجه إلى الطبيب؛ وصف له الآخر منوماً معيناً بجرعة تتراوح بين 5 - 10 ملغم قبل النوم.
وبعد أيام أحس ذلك الشخص بالقدرة على النوم، وبالهدوء أثناء النهار؛ فواجه مشاكل العمل بحسم.
وبعد أسبوعين خفض الجرعة إلى 2.5 ملغم، وفي الأسبوع الثالث لم يعد الرجل في حاجة إلى أية حبوب؛ واستطاع النوم دون مشاكل.
ينتقد البعض المهدئات على أنها تعالج الأعراض، وليس المرض.
والمثال السابق خير دليل على ذلك، إلا أن الاعتماد أو الإدمان مسألة تعتمد على الشخص المتعاطي نفسه، ومن هنا يكون انتقاد عملية صرف ووصف المهدئات نفسها في غير محله.
- المجموعة الثانية: فهي التي تسبب اعتماداً وقتياً عليها (بعد استعمال المهدئ) فإذا أخذنا رجل أعمال مثلاً يعمل تحت ضغط شديد، ويعاني من التوتر والإجهاد، نصحه طبيبه بتناول عقار معين مرتين يومياً، مما ساعده على التغلب على أعراض القلق.
بعد خمسة أسابيع شجعه طبيبه على خفض الجرعة، لكنه لم يستطع الإقدام على ذلك، وأصيب بالخوف والضيق.
- المجموعة الثالثة: تستخدم المهدئات وغيرها لفترة طويلة، لكن دون الاعتماد عليها.
- المجموعة الرابعة: تستخدم المهدئات بشكل مزمن، لأنها تعاني من حالة مرضية مزمنة.
- المجموعة الخامسة: وفيها يعتمد الشخص اعتماداً كلياً على المهدئات، حيث يؤدي التوقف عن تناولها إلى آثار انسحاب كاملة ومتعبة جداً.
- المجموعة السادسة: يكون فيها الاعتماد في حالة ازدياد متواصل، نتيجة الدخول إلى حلقة مفرغة من المشاكل والمبررات المؤدية إلى استمرار التعاطي، وهنا تعمل المهدئات كمظلة تؤدي إلى زيادة الإفراط في تناولها، دون أي حل للمشكلة الرئيسية.
مشاكل التوقف عن العقار
ولكن ماذا لو قرر المصاب التوقف عن تعاطي المهدئات؟ وما هي المشاكل التي قد تواجهه؟.
تعتمد هذه المسألة على ستة عوامل رئيسية ،هي نوع العقار، والجرعة، ومدة الاستخدام، وآثار انسحاب الدواء في فترة سابقة ومدى شدتها، ووجود مشاكل اجتماعية من عدمها، وشخصية الإنسان.
- نوعية العقار: إذا كان المتعاطي يتناول الأسبرين مثلاً للصداع المستمر المرتبط بالتوتر، ويتناوله يومياً أكثر من مرة، فإن المسألة تظل محصورة في العادة، لا أكثر.
لكن إذا استمر الألم وتناول المتألم مسكنات أقوى من الأسبرين، تحتوي على مواد مخدرة (كالكودايين مثلاً)، ومشتقات الأفيون، فإن الاعتماد والإدمان يكونان واردين تماماً.
- الجرعة: كما ذكرنا سابقاً، كلما زادت الجرعة، زاد ثباتها بشكل يومي، ويستثنى من ذلك (مضادات الاكتئاب) والمُعقلات التي يصفها الطبيب النفسي للمريض، وكذلك العقاقير المضادة للصرع والتشنجات.
- مدة الاستخدام: عادة ما تزيد درجة الاعتماد بعد استخدام المهدئات لمدة تتراوح من أربعة أشهر إلى سنة من الاستعمال المستمر والثابت.
وهناك شخصيات معينة لها سمات محددة تجد صعوبة في التوقف عن المهدئات، مثل الذين يعانون من قلق دائم، والمحتاجين إلى مساعدة الآخرين، والمتقلبي المزاج، غير القادرين على التأقلم مع متغيرات حياتهم، والمستسلمين للظروف وللآخرين، والمتوترين الذين يستحيل عليهم الاسترخاء، والمشغولين دائماً بصحتهم العامة.
أما المشاكل الشخصية والعائلية والاجتماعية، فتكاد تنحصر في توترات العمل، وعدم الإشباع الوظيفي، والشجار الزوجي المزمن، وعدم القدرة على البذل والعطاء، مع وجود مشاكل مادية حادة.
خطوات التوقف عن تعاطي المهدئات
1- اختر وقتاً مناسباً، بمعنى عدم وجود ضغوط حياتية معينة.
2- أن تكون الجرعة الإجمالية لما تتناوله في حدود المعقول. وهذه مسألة يحددها الطبيب المعالج.
3- اختر عدد المرات التي تتناول فيها عقارك قدر الإمكان.
4- التخفيف من الجرعة في بداية برنامجك أفضل من تخفيفها في آخره.
5- يجب الاحتفاظ ببعض الحبوب من العقار الذي تنوي التوقف عنه، كضرورة للطوارئ.
6- تذكر أنك قادر على التحكم في أمر مهم يتعلق بك، وتذكر أنك غير مسلوب الإرادة.
7- تعلم كيف تتنفس في بطء وهدوء.
8- حاول أن تبوح بمشاكلك، وبما يدور في رأسك إلى شخص تثق به.