ويفصل
ابن سينا هنا أمراض اللسان ويصنفها فيقول:
(قد يحدث في اللسان أمراض تحدث آفة في
حركته وقد يحدث له أمراض تحدث آفة في حسه
اللامس والذائق وربما بطل أحد حسيه دون
الآخر كالذوق دون اللمس وقد يكون مرضا
مركبا وربما كانت الآفة خاصة به وربما
كانت لمشاركة الدماغ وحينئذ لا يخلو عن
مشاركة الوجنتين والشفتين في أكثر الأمر
وربما شاركه سائر الحواس إذا لم تكن آفة
في نفس شعبة العصب الذي يخصه وقد يؤلم
أيضا بمشاركة المعدة وأحياناً بمشاركة
الرئة والصدر)[xii].
وهكذا
نرى تقسيمه لأمراض اللسان إلى حركية وحسية
وأن أمراض الحس قد تصيب حساً دون آخر كما
نبه إلى أنه قد يؤلم لسبب عام أو إصابة
موضعية إذ أن المرض قد يكون بمشاركة
المعدة[xiii]
أو غيرها من الأعضاء كالرئة والصدر ومن
المعروف أن الكثير من الأمراض العامة قد
تتظاهر بأعراض في اللسان[xiv]
أو قد يؤلم بانفراده فيكون مرضا موضعيا
وذكر أن معرفة المرض تكون بملاحظة تغير
الملمس أو اللون أو تغير الحس بالطعوم
وغلبة حس عليه من إحساس شبه الحموضة أو
حلاوة…….
كما
فرق ابن سينا بين الإصابة العصبية التي
تكون خاصة باللسان وحده (في نفس شعبة
العصب الذي يخصه)[xv]
وبين الإصابة التي لا تكون في الفروع
العصبية الخاصة باللسان وحده وعندها فقد
تشترك في الإصابة سائر الحواس.
ا
الرجوع إلى القائمة
ويشير
هنا إلى أن تكون المعالجة عامة إن كان
المرض في اللسان بمشاركة مع الرأس أو
المعدة أي إن كان السبب مرضا عاما أو تكون
المعالجة خاصة بمثل المضامض في الفم
والغراغر[xvi]
والدلوكات التي تستعمل على اللسان والحبوب
التي تمسك في الفم ويفضل أن كون هذه
الحبوب مفرطحة الشكل وذلك كما نعتقد رغبة
في زيادة سطح التماس بين المادة الدوائية
والنسج الفموية.
وهكذا
فإن المعالجة تتبع سبب المرض الحادث في
اللسان فإن كانت إصابة اللسان عرضا لمرض
عام فلا بد من معالجة السبب وإن كانت
الإصابة من الأمراض الخاصة باللسان فنلجأ
إلى أدوية اللسان.
كما
يؤكد ابن سينا في هذا الفصل على الحذر في
استعمال أدوية اللسان فيقول: (ويجب أن
يحترس في استعمال أدوية الفم واللسان إذا
كانت من جنس ما يضر الحلق والرئة كيلا
يتحلب شيء من سيلاناتها إليها)[xvii]
وهذه العبارة تذكرنا بالتحذير الذي يكتب
على عبوات الأدوية الفموية التي لا يجوز
ابتلاعها حيث يدون عليها بشكل واضح عبارة
"للاستعمال الخارجي فقط".
ا
الرجوع إلى القائمة
يقول
ابن سينا: (الآفة تدخل في الذوق على
الوجوه الثلاثة المعلومة وكل ذلك قد يكون
بمشاركة وقد يكون لمرض خاص)[xviii]
وهكذا فقد يكون ذلك من سبب موضعي وهو ما
يطلق ابن سينا عليه مرضاً خاصاً أو في
سياق مرض عام وهو ما يسميه مرضاً بمشاركة
وأما العلاج فإنه يكون بحسب العلة فإن
كانت بمشاركة وكان السبب من الامتلاء
فالعلاج بمثل المقيئات[xix]
وهكذا تعالج الحالة بحسب السبب .
ا
الرجوع إلى القائمة
يذكر
ابن سينا أن هذا المرض: (قد يكون لسبب في
الدماغ وقد يكون لسبب في العصبة المحركة
له أو الشعبة الجائية منها إليه وأنت تعلم
ما يكون بشركة من الدماغ وما يكون عن غير
شركة بما تجد عليه الحال في سائر الأعضاء
المستقية من الدماغ حساً وحركة وقد يبلغ
الاسترخاء باللسان إلى أن يعدم الكلام أو
يتعسر أو يتغير)[xx].
وهكذا
فقد ذكر أن سببه إن كان عصبيا فهو على
نوعين إما عصبي مركزي (لسبب في الدماغ) أو
عصبي محيطي (لسبب في العصبة المحركة له)
كما ذكر لنا التشخيص التفريقي بين
الحالتين بالنظر إلى ما يكون عليه الحس
والحركة في سائر الأعضاء.
ولا
يزال الأطباء إلى اليوم يعتمدون على فحص
الوظائف الخاصة بكل شعبة عصبية على حدة
وذلك لتحديد الإصابة بدقة معتمدين على ذلك
في التشخيص التفريقي بين الإصابات
المتشابهة في أعراضها.
وأما
في المعالجة فقد أحال إلى الفصول التي
تحدث فيها عن أمراض الرأس فيما يكون
ناتجاً عنها وذكر هنا استعمال الغراغر
والمضامض وذكر صفة مركبة[xxi]
تمسك تحت اللسان وصفة جُوَارِشن[xxii]
.
ا
الرجوع إلى القائمة
يشير
ابن سينا إلى أن ذلك يحدث أحيانا في سياق
الإصابات الخمجية الحادة (الحميات) فيقول:
(قد يكون تشنج اللسان من رطوبة لزجة تمدد
عضله عرضاً وقد تكون في الأمراض الحادة)[xxiii].
وأما
في المعالجات فهو يقول: (ليس يبعد علاج
تشنج اللسان في القانون من علاج التشنج
الكلي المذكور في الفن الأول من هذا
الكتاب وأما على طريق الأخص فإن علاجه على
التكميدات[xxiv]
لأصل العنق والغرغرة وهي فاترة واستعمال
أخبصة[xxv]
متخذة من أدهان حارة وحلاوات محللة)[xxvi].
ا
الرجوع إلى القائمة
ويذكر
أسبابه وأعراضه فيقول: (قد يكون من رطوبة
كثيرة بلغمية مرخية مهيجة وقد يعظم كثيراً
حتى يخرج من الفم ولا يسعه الفم وهذا
العظم قد أفردنا ذكره من باب الورم)[xxvii].
وقد
يكون ما ذكره من الرطوبة الكثيرة البلغمية
هو ما يحدث من انتباج في منطقة قاع الفم
عند حدوث الالتهاب فيندفع اللسان بسبب ذلك
وأما ما ذكره من الورم فمن المعروف أن
اللسان تحدث فيه الأورام كسائر الأعضاء
الأخرى في الجسم.
وأما
في المعالجات فقد ذكر علاجات موضعية كأن
يدام دلكه بالنوشادر[xxviii]
والملح مع مصل وخل[xxix].
ا
الرجوع إلى القائمة
ويذكر في هذا الفصل أن قصر
اللسان يكون من سبب تشريحي يتعلق بالرباط
الذي تحت اللسان وهذه هي الحالة التي
نسميها اليوم باللسان المربوط أو يكون
ناتجا عن تشنج في اللسان هو الذي يمنع
حركته بشكل سليم حيث يقول عن ذلك: (قد
يعرض لاتصال الرباط الذي تحته برأس اللسان
وطرفه فلا يدع اللسان ينبسط وقد يعرض على
سبيل التشنج)[xxx].
وفي ذكره للمعالجات فإنه يتحدث عن قصر
الرباط فقط لأن ما له علاقة بالتشنج قد
سبق ذكره وأما الكائن بسبب قصر الرباط
فإنه يذكر أن علاجه قطع ذلك الرباط من
جانب طرفه قليلاً[xxxi]
ويحدد المدى الذي يجب أن نصل إليه في قطع
الرباط فيقول: (ومبلغ ما يحتاج إليه من
قطعه في إطلاق اللسان أن ينعطف إلى أعلى
الحنك وأن يخرج من الفم)[xxxii]
ولا نزال نعتمد قدرة اللسان على ملامسة
قبة الحنك أثناء فتح الفم علامة تحدد
الحاجة إلى المعالجة الجراحية من عدمها[xxxiii].
ويذكر طريقة خاصة لإنجاز ذلك فيقول: (وإن
لم يجسر على قطعه بالحديد تقية وخوفاً من
انفجار دم كثير جاز أن يدخل تحت الرباط
إبرة بخيط خارم فيحزم من غير قطع ويجعل
على العضو ما يمنع الالتصاق)[xxxiv].
وهكذا فقد عرّف بدقة ما
نسميه اليوم (اللسان المربوط ) وذكر علاجه
بالجراحة وان تكون بقدر الحاجة وحدد لنا
بدقة ووضوح مقدار ذلك.
ا
الرجوع إلى القائمة
يقول ابن سينا: (قد يعرض للسان أورام حارة
وأورام بلغمية وأورام ريحية وأورام صلبة
وسرطان وعلامات جميع ذلك ظاهرة إذا رجعت
إلى ما قيل في علامات الأورام)[xxxv].
وقد فصل فيه بين الأورام الرخوة الحارة
والأورام الصلبة وهذه إشارة إلى أهمية
التفريق بين الإصابة الرخوة الحارة و
الإصابة الصلبة فالأورام الصلبة قد لا
تكون لها علاقة بما نسميه اليوم إصابة
إنتانية وربما تكون ورما سليما أو خبيثا
أو غير ذلك ولا نزال نستعمل الجس للتشخيص
التفريقي الأولي بين هذه الحالات[xxxvi].
ومما يقوله في المعالجات: (فإن تقيح
استعمل القوابض في الفم مثل طبيخ السماق
والشراب العفص[xxxvii]
وإن كان الورم رخواً بلغمياً فقد ينفع منه
ومن الورم الحار فيه البالغ منتهاه أن
يحرق أصل الرازيانج[xxxviii]
ويلصق عليه)[xxxix].
ا
الرجوع إلى القائمة
يفصل لنا ابن سينا أسباب
ذلك بتفصيل دقيق وشرح واف وسنعرض الأسباب
التي ذكرها ابن سينا وبالترتيب الذي
اعتمده ابن سينا نفسه لأن هذا الترتيب
يظهر لنا دقة في العرض من الناحيتين
الطبية والمنطقية وهذه الأسباب تنقسم إلى
:
أسباب عصبية مركزية :
حيث يقول: (إن الخرس وغيره من آفات الكلام
قد يكون: من آفة في الدماغ وفي مخرج العصب
الجائي إلى اللسان المحرك له)[xl].
أسباب عصبية محيطية :
يقول ابن سينا: (وقد يكون سبب الآفة في
نفس الشعبة)[xli].
أسباب مرضية وتشريحية خاصة
باللسان:
ويتابع ابن سينا تعداد أسباب الخلل في
الكلام فيقول: (وقد يكون في العضل أنفسها
وذلك الخلل: إما تشنج وإما تمدد أو تصلب
أو استرخاء أو قصر رباط أو تعقد عن جراحة
اندملت أو ورم صلب)[xlii].
أسباب عارضة على سطح
اللسان تعيق الكلام بما تسببه من ألم :
إذ يقول: (وقد تكون الآفة في الكلام من
جهة أورام أو قروح تعرض في اللسان
ونواحيه)[xliii].
الأسباب المرضية العامة:
كما يذكر أن الخلل في الكلام (قد
يعرض بعد السرسام لاندفاع العضل من الدماغ
إلى الأعصاب وفي الحميات الحارة لشدة
تجفيفها ويكون اللسان ضامراً متشنجاً وهو
قليلاً ما يكون وهذه من الآفات العرضية
الغير الأصلية)[xliv].
الأسباب المتعلقة بالحنجرة
دون اللسان:
ويختم ابن سينا تعداده لأسباب الخلل في
الكلام فيذكر أن السبب قد لا تكون له
علاقة باللسان بل نتيجة لإصابة الحنجرة
فيقول: (وقد تكون الآفة في الكلام
لسبب في عضل الحنجرة إذا كان فيها تمدد أو
استرخاء، فربما كان الإنسان يتعذر عليه
التصويت في أول الأمر إلا أنه يعنف في
تحريك عضل صدره وحنجرته تعنيفاً لا تحتمله
تلك العضلة فتعصى فإذا يبس في أول كلمة
ولفظة استرسل بعد ذلك ومثل هذا الإنسان
يجب أن لا يستعد للكلام بنفس عظيم وتحريك
للصدر عظيم بل يسرع فيه بالهوينى فإنه إذا
اعتاد ذلك سهل عليه الكلام واعتاد السهولة
فيه وأما سائر الوجوه فقد ذكرت معالجاتها
في أبوابها)[xlv].
ونرى في هذه الفقرة حديثه الواضح عن سوء
استعمال الصوت وهو يدخل في الأسباب الرضية
المؤدية لالتهاب الحنجرة الحاد وخاصة عند
الكهول[xlvi].
ولا بد لمن يقرأ هذا الفصل
من أن ينتبه إلى مدى الإحاطة والشمول
الذين يميزان استقصاء ابن سينا لأسباب
الخلل في الكلام وعرضه لها مرتبة بشكل
علمي مترابط وتسلسل منطقي ملحوظ.
ا
الرجوع إلى القائمة
يقول ابن سينا عن مرض
الضفدع معرفا له: (الضفدع هو شبه غدة صلبة
تكون تحت اللسان شبيهة اللون المؤتلق من
لون سطح اللسان والعروق التي فيها بالضفدع
وسببه رطوبة غليظة لزجة)[xlvii].
ولا
نزال نستخدم كلمة ( الكيس الضفدعي)[xlviii]
حتى اليوم لتسمية هذه الحالة وقد ذكر ابن
سينا أن سببه (رطوبة غليظة لزجة) وهذه
الكلمة هي ما يعبر به ابن سينا عن السوائل
المتجمعة نتيجة انسداد في إحدى الأقنيـة
اللعابية والتي تسبب هذه الحالة المرضية
تحت اللسان كما هو معروف اليوم[xlix].
ا
الرجوع إلى القائمة
يقول ابن سينا: (قد يكون ذلك بسبب حرارة
في الفم أو الدماغ لا يبلغ أن يكون حمى أو
بسبب تناول أشياء حريفة ومالحة ومرة وحلوة
والعطش الشديد ويكون لأسباب أعظم من ذلك
مثل الحميات الحارة والأورام الباطنة)[l].
ويبدو لنا مما كتبه ابن
سينا في هذا الفصل أنه قد أدرك الأثر
السيئ لما يعرف اليوم بالتنفس الفموي،
الذي يسبب جفافا في الفم يؤثر على الغشاء
المخاطي، والخلايا البشرية في الفم، كما
يؤثر على حاسة الذوق.
ولعل ملاحظته لهذا الأثر السيئ هي التي
جعلته يذكر أول ما يذكر عند حديثه عن علاج
حرقة اللسان منع المريض من مداومة فتح
الفم ومن النوم على الظهر لأن هذه الوضعية
في النوم قد تزيد من احتمال فتح الفم
والتنفس عن طريق الفم أثناء النوم وفي ذلك
يقول ابن سينا: (وعلاج ذلك في الجملة أنه
يجب أن يمنع من يشكو ذلك وخصوصا من المرضى
أن ينام على القفا ومن أن يديم فغر الفم)[li].
وهكذا نلاحظ الإشارة
الواضحة إلى معرفة اثر استمرار فتح الفم
(التنفس الفموي) على حدوث حرقة اللسان حيث
يسبب التنفس الفموي والذي يكون المصاب به
دائم فتح الفم تقريباً بجفاف في المخاطية
الفموية وتحدث تغيرات فيها ويتأثر اللسان
كما يؤثر ذلك على الحس بالطعوم.
وتؤكد أبحاث الطب الوقائي اليوم على موضوع
التنفس من الأنف دائما لأن الأنف هو
الطريق الضرورية للتنفس فيتعرض الفم بسبب
هذا التنفس لأمراض والتهابات مختلفة ولا
سيما إذا تعرض لتأثير الهواء البارد أو
الجاف أو المفعم بالغبار[lii].
وذكر
في علاجه لعاب بزرقطونا[liii]
والأكارع[liv]
والبيض النيمرشت[lv]والزبد
الحادث من تدلك قطع القثاء والسبستان[lvi].
ا
الرجوع إلى القائمة
يقول ابن سينا عن دلع اللسان: (قد يكون
لأورامه العظيمة وقد يكون عند الخوانيق
فتدلع الطبيعة أو الارادة اللسان ليتسع
مجرى التنفس)[lvii].
أشار إلى أنه يكون من
أورام اللسان أي أن سببه في اللسان نفسه
أو يكون من الخوانيق[lviii]
وتطلق كلمة الخناق اليوم على الإنتانات
الحادثة في منطقة قاع الفم والبلعوم حيث
تسبب الوذمة الحادثة في الحلق والبلعوم
تضيقا في مجرى الهواء يعيق التنفس.
ويتحدث
في هذا الفصل عن بثور الفم واللسان ويذكر
لذلك أسباباً عامة من الحرارة في نواحي
المعدة والرأس وبخارات وأنه قد يكون في
الحميات[lix].
كما
يذكر كثيرا من الأدوية المستعملة في علاج
البثور فمن الأدوية المستعملة لعلاج
البثور في أول الأمر ما يكون فيه تبريد
وتجفيف مثل (الأملج[lx]
والعفص[lxi]
وبزر الورد[lxii]
والكثيراء[lxiii]
والطين الأرمني[lxiv])[lxv]
ويذكر من الأدوية الحارة التي يحتاج إليها
في آخر الأمر (جوزبوَّا[lxvi]
والسُّعد[lxvii]
والزعفران[lxviii]
ولسان الثور[lxix]
والقرنفل[lxx]
والفوتنج[lxxi]
والسك[lxxii]
)[lxxiii]
ويختم ابن سينا هذا الفصل بقوله: (قال بعض
محصلي الأطباء أنه لا شيء أبلغ في علاج
بثور الفم من إمساك دهن الإذخر[lxxiv]
فاترا في الفم)[lxxv].
ا
الرجوع إلى القائمة
وهي
قرحة تكون في جلدة الفم واللسان[lxxvi]
وذكر من أسباب ذلك سوء الهضم وقد ذكر ابن
سينا في علاجه أدوية كثيرة منها العفص
وعصارة الحصرم كما ذكر صفة مرهم مركب.
ا
الرجوع إلى القائمة |